لم يكن لأحد أن يأتي على ذكر تلك الجماعة القروية الضئيلة المستقرة بقلب “سوس”، والمسماة “تيوغزة”، لولا قرار مثير للانتباه صادر عن وزارة الداخلية، يقضي بتوقيف أعضاء هذه الجماعة لمدة ثلاثة أشهر كاملة، وإيكال مهمة تسييرها للقائد وبضعة أعيان. القرار جاء عقب تعرض جماعة “تيوغزة” لوعكة خلافات حادة، لم تفلح فترة النقاهة التي امتدت لثلاثة أشهر في تخفيفها، والسبب تفاصيل غريبة جدا تطالعونها في الجزء الأول من الربورتاج التالي:
“تيوغزة”، كما يصفها رئيس جماعتها بنفسه، عبارة عن مدارة طرقية يُجبر كل ميمم وجهه صوب جماعة قروية من جماعات إقليم “سيدي إفني”، على المرور عبرها.
تتوسط هذه الجماعة الصغيرة منطقة جبلية بين “تزنيت” و”سيدي إفني”. هنا يقيم “الباعمرانيون” وغيرهم من القبائل السوسية العريقة. ككل الجماعات القروية بالمملكة، لا يعدو بنيان “تيوغزة” يتجاوز بضعة منازل بسيطة ومقرات إدارية تعيش بسكون على هامش حركة التاريخ.
في تاريخها كله، ورد اسم جماعة “تيوغزة” في الجريدة الرسمية ثماني مرات فقط، أولها كان سنة 1981. على مدى 33 سنة، صدر قراران مهمان حولا مجرى الأحداث بهذه البلدة الراكدة؛ القرار الأول صدر بتاريخ 28 مارس 1986، ووقعه “إدريس البصري”، وزير الداخلية الأسبق، ويقضي بالموافقة على قرار عامل إقليم “تيزنيت” القاضي بإقرار مخطط تنمية الكتلة العمرانية القروية لـ”تيوغزة”، ستصير هذه القرية “كتلة عمرانية” إذن.
عقب ذلك، لم ينتبه الوزراء المتعاقبون على حكومات المغرب إلى “تيوغزة”، إلا عندما كانوا يوقعون على قرارات، بين الفينة والأخرى، تخص نزع ملكية للمنفعة العامة وتحديد الملك البحري للجماعة. لكن، بعد نحو ثلاثة عقود ستصدر الداخلية قرارا، هو الثامن في تاريخ جماعة “تيوغزة”، على الأقل كما هو مضمن في أرشيف الجريدة الرسمية، يقضي بتوقيف جميع أعضاء الجماعة، بمن فيهم رئيسها، بسبب تطور خلافات نحت منحى غاية في الغرابة.
البيان رقم 8
نص قرار وزير الداخلية، الصادر يوم 4 مارس 2013، على ما يلي: “بناء على القانون رقم 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.02.297 بتاريخ 25 من رجب 1423 (3 أكتوبر 2002)، كما وقع تغييره وتتميمه، ولا سيما المادتين 25 و26 منه؛ وبعد الاطلاع على التقرير الذي أعدته السلطة الإقليمية بخصوص الوضعية التي يعرفها مجلس جماعة “تيوغزة” بإقليم “سيدي إفني”، ونظرا لعدم الاستقرار الذي يعرفه المجلس الجماعي بسبب الخلافات بين أعضائه، وحيث إن هذه الوضعية ترتب عنها اضطراب السير العادي للمرافق الجماعية ورفض التصويت مرتين على مشروع الميزانية لسنة 2013 والإضرار بمصالح المواطنين.
قرر ما يلي: المادة الأولى، يوقف مجلس جماعة “تيوغزة” بإقليم “سيدي إفني” لمدة ثلاثة أشهر. والمادة الثانية، تعين لجنة خاصة للقيام بالأعمال الإدارية المحضة المستعجلة. والمادة الثالثة، يسند إلى عامل إقليم “سيدي إفني” تنفيذ هذا القرار الذي ينشر بالجريدة الرسمية، “لا أحد يدري كم مرة سبق للداخلية أن سخطت على جماعة بهذا الشكل، لكن القرار أثار كثيرا من الانتباه، وصرف الأعين صوب هذه النقطة المجهرية من تراب المغرب.
الخلافات التي تحدث عنها قرار وزير الداخلية، لم تنشأ فقط بين أعضاء ممثلين لأطياف سياسية مختلفة، بل دار بين مستشارين يجمعهم الانتماء السياسي نفسه.
ظاهرة فريدة تعيشها هذه الجماعة، وفق ما وقفت عليه “الأخبار”، أعضاء من حزب سياسي واحد يشكلون، في الوقت نفسه، الأغلبية المسيرة للجماعة، والمعارضة المنتقدة لهذه الأغلبية. في جماعة “تيوغزة” يمكن لمستشار جماعي منتم إلى حزب ما أن يقرع زميلا له في الحزب ذاته خلال اجتماع، على نحو كاريكاتوري وغير مألوف.
منذ البدء، انتبهت الداخلية إلى عزف نشاز يصدر من خلف جدران جماعة “تيوغزة”. البداية كانت عند لحظة مخاض الانتخابات الجماعية في 2009، والتي انتهت بإنجاب مجلس جماعي أشبه بمولود مشوه لا يرتبط أعضاؤه بأي رابط.
عيب خلقي
انتقلنا إلى جماعة “تيوغزة” الممتدة على مساحة 280 كيلومترا مربعا، من حدود “تزنيت” إلى شاطئ “الجزيرة” الساحر بـ”سيدي إفني”. هنا يعيش 12 ألفا و360 شخصا، منتمين أساسا إلى ثلاث قبائل، هي “آيت اخلف” و”آيت النص” و”آيت إعزى”، فضلا عمن يسمون “ناس الداخل”.
لا يشغل الناس في هذه الجماعة القروية سوى نشاطهم الفلاحي وتجاراتهم واللغط المزمن المنبعث من المجلس الجماعي المسير لهم. كان “الصهد” فظيعا بـ”تيوغزة” رغم أن يوم وجودنا بها كان ربيعيا. الطريق نحوها واحد أوحد، ليس بها اتجاهان. على السيارات القابلة والراجعة، التزاحم والخروج عند حاشيتي الطريق للمرور.
مساكن بدوية قليلة تناثرت بسفوح جبال تخترقها الطريق الملتوية المؤدية صوب “تيوغزة”. ثم تظهر هذه الجماعة. أول بناية بها مقر قيادتها، تعلوه راية. مقر الجماعة ومركز بريد ومستوصف ولادة ومدارس قليلة هي المؤسسات العمومية الوحيدة هنا.
جل مساكن “تيوغزة” تكدست بجوار الطريق الرئيسي المؤدي صوب جماعات أخرى. أمام مقر الجماعة ساحة تركن بها سيارات أجرة وحافلة تربط الجماعة بالعوالم المحيطة بها، خاصة “سيدي إفني”. الناس احتموا بمقاه متواضعة من حر الجو يرقبون، في لحظة صخب نادرة، شجارا دار بين سائق الحافلة وسائق “طاكسي”، حول الركاب. بأمازيغية سوسية حادة شرع سائق الحافلة ينهر غريمه، قائلا إنه الأحق بإركاب الناس أولا. سائق “الطاكسي” حمل مفك براغ من سيارته المتهالكة، معلنا استعداده كسر هدوء “تيوغزة”، قبل أن يتدخل آخرون لوقف الشجار.
تمر سيارة أجرة مسرعة، يرمي سائقها أوراقا دعائية انتخابية، صور مرشحين ممزقة تملأ الطرقات. الشمس تتسلل، على نحو منفر، بين أزقة كسرت هدوء “تيوغزة”، إلى درجة أنه لا يوجد مكان ظل لركن سيارة. هذه هي “تيوغزة”، جامدة كما هي بقية جماعات “سيدي إفني”.
ما زالت السياسة تنجح في تبديد شيء من هذا الجمود. الناس لم يتوقفوا عن الكلام عن الانتخابات الجزئية بدائرة “سيدي إفني” التي تنتمي إليها “تيوغزة”. لم يمض على الانتخابات سوى يوم واحد لتنطلق الألسن بالتحليل، رغم أن المشاركة كانت ضعيفة للغاية. لم تشارك سوى نسبة ضئيلة من السكان، لا تتعدى 20 في المائة، في الانتخابات.
“تِـغِيـرْتْ نْـيُوزْ” عن “الأخبار” – سيدي إفني
رابط قصير: http://www.tighirtnews.com/?p=4953
رئيس الجماعة استطاع القضاء على رموز الفساد بجماعته وعلى سماسرة الانتخابات واستطاع احراج الاعضاء الاميين بمجلسه نحييه على هذا العمل
أكتب تعليقك