الرئيسية » أغراس أغراس » منبر الأحرار »

“التشرميل” ظاهرة تساءل واقع المجتمع المغربي

لاشك أن الكل يعلم أن ما بات يعرف بـ”التشرميل” أمسى ظاهرة خطيرة اجتاحت مدن المملكة المغربية وأصبحت تهدد استقرار أمن المجتمع عبر إقدام مجموعة من الشباب على امتهان هذه المهنة تحديا للواقع ولنواميس الدولة بدعوى أن المجتمع ظلمهم فاختاروا الحل الأنسب للتغلب عليه فبدأت السلوكيات الغير السوية في الانتشار وذلك بحمل السكاكين والسيوف واستعراض القوة والتباهي بالغنائم  في المواقع الاجتماعية بما يتنافى ومألوف المجتمع.

anaضمن هذه الملحمة الاستثنائية والمفاجئة للعامة، وجد المواطن المغربي نفسه مهدد في كل زمان ومكان، ودفع به الأمر إلى طرح العديد من التساؤلات حول ما يجري في الشارع المغربي. لكن قبل المضي قدما في المقال، دعونا نتفق على أنني سأتناول الأمر باعتباره مشكلة اجتماعية وليس بظاهرة اجتماعية وعيا منا بقواعد الظاهرة الاجتماعية كما حددها “السوسيولوجي” الفرنسي “اميل دوركهايم” (1858.1917). في مؤلفه “قواعد المنهج السوسيولوجي”.

إن هذه المشكلة الاجتماعية إذن لم تولد بمحض الصدفة، وإذا ما نظرنا إلى واقع الحال، نجد أن هذه الأخيرة تساءل المجتمع على كافة المستويات (السياسية والاجتماعية والأخلاقية القيمية والاقتصادية) هل حقق تقدما في هذه المجالات؟ وهل حسم في خيارته الاستراتيجية لتثبيت التنمية على كافة الأصعدة؟ أم أنه خلف موعده مع التقدم والازدهار؟ الأمر الذي دفع بهؤلاء إلى تقديم الجواب الشافي دون انتظار الدولة.

لست مجبرا على الإجابة على الأسئلة المطروحة، لكن يجرنا الحديث للقول أنه أمام استفحال المشكلة تبين بالملموس مدى إخفاق المجتمع في كل المستويات التي ذكرناها سلفا الأمر الذي جعل من “التشرميل” إفراز موضوعي لواقع متناقض لا يعيد سوى نفس الطبقات (الغني يزداد غنا، والفقير يزداد فقرا).

إن هذا الفهم سايرنا إلى الكشف عن هذه التفاقمات والاختلالات في كل الميادين التي نعتبرها مساهمة بدرجة كبيرة في انتشار المشكلة على المستوى الاجتماعي إذا ما أخدنا بقانون السببية.

فعلى الصعيد الاجتماعي، يتمثل في ازدياد الفوارق الاجتماعية والتفكك الاجتماعي إثر انهيار الأسرة كنسق اجتماعي يتكون من أجزاء تتكامل فيما بينها لإعداد الفرد للحياة، لكن بتخلف أحد الأجزاء عن وظيفته وظهور أنماط جديد من الأسر تأسيا بالغرب، برز التفكك والانحراف؛ زد على ذلك ضعف وسائط التنشئة الاجتماعية الأخرى “المدرسة” التي تحولت إلى مسرح الجريمة، لا يكاد يذكر في محيطها سوى اغتصاب، تعنيف، اعتداء… كما لا نغفل الاحتقان الاجتماعي إثر تزايد عدد الخرجين وانسداد الأفق أمامهم.

أما على الصعيد الاقتصادي، استمرار منطق نهب المال العام والتوزيع الغير العادل للثروات بين أبناء الوطن الواحد، والتمسك بالنموذج الرأسمالي. فيما الجانب السياسي، فيتضح في التناحر السياسي بين المؤسسات الحزبية وظهور السياسي الكسول الذي  لا يهمه إلا شخصه ومصالحه ولا حديث عن الفقراء والمساكين إلا في الحملات الانتخابية.

وأخير ما هو أخلاقي الذي يتمثل في انهيار أسس الأخلاق وهشاشة القيم إثر موجة العولمة و انتشار وسائل الإعلام التي تبث برامج لا تليق لا بالناشئة ولا بالكبار، بالإضافة إلى الابتعاد عن السبيل الصحيح الذي رسمته القوانين الإلهية. كل هذه المستويات إذن نعتبرها مساهمة في ظهور هذه الكارثة الاجتماعية، وأخذت تساءل واقع المجتمع ذو فوارق طبقية بارزة، كما قال بذلك الألماني كارل ماركس “إن الانحراف في أي مجتمع إفراز من إفرازات الصراع الطبقي بين من يملك وسائل الإنتاج وبين الطبقة العاملة”، ولتجاوز الوضع لابد من تضافر الجهود لردم الهوة بين المجتمع وأفراده وذلك باعتماد كافة المقاربات الناجعة والعودة إلى الجذور لانقاد هذا الجيل من الهلاك، وهذا هو مربط الفرس كما يقال.

باختصار يجب اعتبار هده الفرصة ذهبية لتعميق الفهم والإصلاح وإدماج الشباب في المؤسسات الاجتماعية وإعادة دور الأسرة والمدرسة كمؤسسات التطبيع الاجتماعي التي من خلالها تنقل قيم ومعايير المجتمع للأفراد.

بقلم: عبد الحق لوشاحي – “تِـغِيـرْتْ نْـيُوزْ”

للتواصل مع الكاتب: Abdelhaklo584@gmail.com

مشاركة الخبر مع أصدقائك

أكتب تعليقك