تقديم:
تندرج معطيات هذا المقال في إطار إعدادنا لبحث الإجازة في السوسيولوجيا جامعة ابن زهر أكادير المنطوي تحت عنوان “الخصوصيات التنظيمية للتنظيمات الجمعوية والمصانع وانعكاسها على تدبير وتنمية الموارد البشرية” دراسة سوسيولوجية لمنطقة إمجاض ومدينة الدشيرة أكادير. ويتناول هذا جزاء من هذا البحث المتعلق بالواقع التنموي على ضوء بعض المؤشرات بعد التشخيص الترابي الذي أنجزنه في إطار الزيارات الميدانية لمنطقة البحث المحددة في كل من جماعة أنفك وجماعة إبضر وتغيرت والاستعانة كذلك بمنوغرافية الجماعات الترابية الثلاثة، وسنعمل في هذا المقال على تقديم قراءة علمية لهذا الواقع واقتراحات عملية وعلمية للنهوض به وفق مؤشرات ميدانية بعيد عن التأويل والانتصار لحقيقة الميدان، في ما سنخصص مقالات أخرى لعرض الإكراهات التي تعاني منها التنظيمات الجمعوية وسبول تجاوزها وفق ما هو قائم في سوسيولوجيا الفعل المنظم وسوسيولوجيا الجمعيات.
يبقى الرهان التنموي الغاية المنشود لساكنة المنطقة إلا أنه وبالمقارنة مع السنوات الماضية نجد تحسن مجموعة من الخدمات وتشيد بنيات ومراكز مما ساهم في فك العزلة عن المنطقة خصوصا بعد الانتماء لإقليم سيدي إفني. حيث تحسن الواقع التنموي وذلك على ضوء بعض المؤشرات، سواء على مستوى الشبكات الطرقية والكهرباء والماء والمواصلات بالمنطقة.
تكتسي البنيات التحتية أهمية بالغة في انعاش الاقتصاد المحلي والرفع من جاذبية المجال الترابي وتوفير فضاء ملائم للعيش والتنقل والاستثمار. فعلى مستوى الشبكة الطرقية بالمنطقة فإنها تعيش حالة رديئة جدا ولا زالت بعض مناطق جماعة تغيرت وإبضر لم تعبد، فنجد بتغيرت حول المسالك 190 كلم من المسالك الجماعية غير معبدة وغير مهيأة، وبإبضر نسبة الطرق الجماعية تمثل 94 %، ونجد المعبدة منها تمثل سنة ضئيلة جدا بحوالي 30 %. وبجماعة أنفك نجدها هي الأخرى أن عدد الطرق الجماعية الغير المعبدة حوالي 3 طرقات، بحيث أن هذه الجماعة حاولت النهوض وتعبيد الطرقات إلا أن وضعيتها سيئة.
فيما يخص شبكة الكهرباء تمثل نسبة 100 % في كل من الجماعات الثلاثة التي تعتبر ميداناً للبحث. وفيما يتعلق بشبكة الماء الصالح للشرب نجد جماعة أنفك بحوالي 44 %، وجماعة تغيرت حوالي 90%. وإبضر وضعية تزويد في ظل غياب أرقام احصائية، هي وضعية لابأس بها، إلا أنه بجماعة أنفك حاليا وكما تم معاينة ذلك ميدانياً ثم إنجاز مشروع تزويد مختلف الدواوير الجماعة بالماء الصالح للشرب في أفق إطلاق المشروع سنة 2020. وبالنسبة للتغطية الهاتف تصل للتراب الجماعة أنفك إلى 50%. أما الانترنيت فقد تم إحداث الألياف البصرية وتم ربط بعض الردارات بالأسلاك الأرضية في سنة 2018 في ما نسجل بجماعة إبضر تغطية هاتفية تصل إلى 100 %.
أما على مستوى النقل، فهناك ضعف في وسائل النقل بل غيابها في بعض الأحيان، إلا في يوم السوق الأسبوعي، فهناك خط لحافلة تربط بين مدينة تزنيت ومركز جماعة تغيرت. وتم إحداث مؤخرا خط لنقل المسافرين بين مدينة الدار بيضاء ومركز جماعة تيغيرت مرورا بتراب جماعة إبضر.
ومن منطلق الملاحظ السوسيولوجي فإن البنية التحتية من طرق ومواصلات هي ضعيفة ورديئة مما يجعل المنطقة معرضة للهجرة وعدم انجذاب المستثمرين ما يجعلها في عزلة نظرا لتردي الشبكات الطرقية الإقليمية والجماعية، ما ينعكس سلباً على الاقتصاد المحلي والسياحة القروية ويفوت على المنطقة مورداً إضافيا، علماً بأن المنطقة تتوفر على مآثر تاريخية وطبيعية.
يُعتبر التعليم من أبرز القطاعات بجانب قطاع الصحة باعتبارهم قطاعات حيوية بل ضرورية لاستقرار الساكنة، إلا أن هذا الأخير على ضوء بعض المؤشرات فإن التأطير الطبي يظل ضعيفا بالمقارنة مع متطلبات الساكنة ويتجلى بالمقارنة مع عدد السكان، فإننا نجد أن بالمنطقة بجماعاتها الخمسة طبيب واحد يتواجد بالمركز صحي بجماعة تغيرت مع قاعة للولادة و6 ممرضين، في حين نجد بجماعة إبضر 3 مستوصفات في حالة رديئة، أما على مستوى الموارد البشرية هناك 3 ممرضين. بينما جماعة أنفك تتوفر على 4 مستوصفات مع قاعة للولادة تم إنجازها سنة 2018 وعلى مستوى الموارد البشرية فهناك 4 ممرضين، وقد تم تعين مولدة وطبيب بالمركز مؤخراً. كما أن جميع جماعات المنطقة لها سيارات إسعاف، إلا أنه نجد تردي الخدمات التي تقدمها بل يتم الاستعانة بسيارة جماعة أنفك بكل تراب المنطقة.
أما فيما يخص التعليم فالمنطقة، بها ثانوية واحدة مشتركة مع ثانوية إعدادية، إلا أنه تم حديثا المصادقة على إنشاء ثانوية مستقلة من لدن القطاعات الوصية كما تتوفر باقي الجماعات على الإعداديات ومتواجدة بمركز الجماعات والأسواق الأسبوعية.
كما هناك بجماعة أنفك 4 مجموعات مدرسة ابتدائية، و4 قاعات للتعليم الأولي مسيرة من جمعية الآباء والأمهات التلاميذ، وبجماعة إبضر، هناك مجموعتين مدرستين. وفي جماعة تغيرت 4 مجموعات مدرسية، وبالنسبة للتعليم الخصوصي فهو منعدم بالمنطقة. وفي ما يخص دور الطالب والطالبة فهناك دور الطالب والطالبة وداخلية بالثانوية ومركز لذوي الاحتياجات الخاصة بمركز جماعة تيغيرت.
وبما أن المنطقة تتوفر على ثانوية فإنه يبدو وهذا المؤشر جد إيجابي ينتظر منه أن ينعكس على مستوى الوعي بالمنطقة، وكذا على بنية الفعل الجمعوي بهذا الوسط. علماً أن نسبة الهدر المدرسي والانقطاع عرفت تراجعا بفعل إحداث آليات النقل المدرسي من طرف الجماعات الترابية وكذا الجمعيات المحلية. بل أيضا حتى على مستوى النوع الاجتماعي نجد إتمام الفتيات القرويات للدراسة إلى السلك الثانوي بفعل إنشاء ثانوية بالمنطقة، بينما في الماضي كان هناك بعد المسافة، ويتم إرسالهم للمناطق المحيطة مما يفرض تكاليف إضافية على الأسر وبالتالي ضعف الإقبال على الدراسة بالثانوية.
لكن وبالرغم من أن المنطقة تتوفر على مؤهلات بشرية وفئات عمرية شابة، فإن قطاع الشباب والرياضة يظل ضعيفا. فالمنطقة لا تتوفر على أي دار للشباب أو مركبات سوسيوثقافية باستثناء ملعب لكرة القدم المتواجد بالنفوذ الترابي لجماعة إبضر، ومركز لذوي الاحتياجات الخاصة بمركز جماعة تغيرت. وعلى هذا الأساس نجد الاهتمام بالشباب غائب علماً أن هذا المورد البشري يشكل القاعدة ضمن الساكنة بهذا المجال، ما يجعل الشباب عرضة للضياع حيث أصبحت المنطقة تشاهد ظواهر اجتماعية (كالانحراف، الهجرة، الجريمة…).
ومن منطلق أخر، نجد أن المنطقة تتوفر على نوادي نسوية تتوزع إلى ناديين بجماعة أنفك و7 بجماعة إبضر. وواحد بجماعة تغيرت، إلا أنه وبالرغم من هزالة العدد مقارنة بالكثافة السكانية والنوع الاجتماعي الذي يظل مستهدفاً باعتباره الاكثر استقرارا بالمنطقة ، فإنه مؤشر من المفروض أن يعكس الواقع التنموي ومدى الاهتمام بتنمية العنصر النسوي بهذا المجال.
وتجدر الإشارة الى أن 99% من ساكنة المنطقة يتكلمون الأمازيغية، لدى لابد من مراعاة هذا المعطى والانتباه إليه، خصوصا اللغوي والثقافي، كما أن ساكنة المنطقة تعاني من الأمية التي تنتشر بصفوف النساء، فنجدها في تغيرت مثلا تصلا إلى 36% وفي صفوف حوالي الرجال 49.8% ، علما أن المنطقة تستفيد من برنامج محو الأمية إلا أنها اقتصرت على النساء بدل الجنسين معاً إلا أنه وبرغم من ذلك نسبة الأمية لا زالت مرتفعة.
وعلى مستوى النسيج الجمعوي بالمنطقة، فنجد أن هناك دينامية جمعوية في السنوات الأخيرة إذا أن عدد الجمعيات بالجماعات قيد الدراسة يصل إلى 133 جمعية. هذا المعطى جد إيجابي وعليه أن يأثر بشكل ايجابي على الدينامية التنموية بالمنطقة، علماً أن أغلبيتها ذات أهداف تنموية ويفترض أن تنهض وتحسن من الواقع التنموي للمنطقة، نظراً إلى هذا الكم من الجمعيات وإذا ما قرن بالواقع التنموي كما تم تقديمه، فإن ذلك لا يعكس دينامية هذه التنظيمات.
خلاصـــــــة
إن الواقع التنموي بالمنطقة لا زال هزيلاً ويُعاني من إكراهات عديدة بفعل غياب رؤية استراتيجية من طرف الفاعلين الجمعويين وكذا المنتخبين ما يفوت على المنطقة فرصة تحقيق التنمية الغائبة خصوصا مع تولي فشل السياسات العمومية وغياب تام لسياسات اجتماعية هادفة تستهدف الساكنة المحلية خصوصاً المعوزة، بل حتى أن الجماعات الترابية بالمنطقة لم تستفيد من برامج تنموية اطلقتها الدولة المغربية خصوصا منها التي تستهدف المغرب العميق والمناطق المهمشة، ما يعمق من حدة التفاوتات الاجتماعية والمجالية وهدر للزمن التنموي وغياب عمل جماعي تكتلي من طرف جماعات المنطقة، وكذا من طرف الجمعيات النشيطة بها لرسم خريطة تنموية حقيقية تستند على أسس علمية بدل العشوائية في تنفيذ مشاريع تقصي الأبحاث الاجتماعية التي تشخص الواقع قبل التفعيل العملي للمشروع قصد تجاوز او على الاقل الوعي بالمشكلات التي قد تعترض أي مشروع ما يفوت على المنطقة فرص التنمية ويبقى مصير المشاريع المنجزة الفشل.
محمد أمسكور: باحث في سوسيولوجيا الجمعيات والتنمية المحلية.
رابط قصير: http://www.tighirtnews.com/?p=40663