من مذكرات رئيس جهة فريدة
الحلقة الأولى
… لن أتبع في سرد أحداث هذه المذكرات خطاً مستقيماً، لأن الشخوص والأحداث متداخلة ومتجددة ولأن البداية والنهاية لها مسار واحد وهو حتما ليس مسار الثقة إياه..
ما وقع يوم أمس في جمعة غير مباركة انتكسنا فيها رياضيا وسياسيا يجعلنا مجبرين على طرح تساؤلات مشروعة حول المشروع نفسه المسمى جهوية موسعة وحول أيضا الشعارات المرفوعة منذ دستور 2011 إلى الآن..
هل نحن إزاء ارتداد بلغة الزلازل لما قبل الدستور المصوت عليه !! أم إزاء ارتباك في استيعاب طبيعة المرحلة وشروط اللعب الجديدة التي تقتضي تغيير اللاعبين تماما كما في كرة القدم !!!
في المغرب الآن هناك من يريد أن يلعب بنفس الفريق وآليات اللعب، لكن أمام جمهور جديد يطمح للفوز لا إلى الانتكاسات المتتالية، هذه التساؤلات وغيرها تعيدنا إلى نقطة البداية عندما حملت ترشيحي لرئاسة مجلس الجهة ذات مساء من سنة 2015 منخرطاً في لعبة سياسية أدرك جيدا تفاصيلها، لكن ليس للحد الذي استوعبته بعد ذلك لأن المرحلة كانت تعج بخطابات الجهوية والنخب الجديدة..
لكن عند وضع الترشيح كان علي تلقف أول إشارة غير مطمئنة ، لقد رفض المسؤول الأول آنذاك عن الولاية استقبالي بحجة أني غير مرغوب في من أطراف عديدة، ولولا تواجد أحد المسؤولين العقلاء تلك اللحظة معه لما استقبلني كما استقبل صباحا “ع.ب” الذي وضع ترشيحه قبلي..
فهل كانت كتاباتي وتصريحاتي سبباً في كل هذا اللبس الحاصل في الأمور؟، أم أنها أيضا خطة قديمة تم استخدامها لإبعادي ذات إنتخابات 2011 البرلمانية بعدما حبك المسؤول الأول آنذاك عن الولاية و ع.ب خطة على أحد أقاربي بقولهم له أني انفصالي وغير مرغوب في.
واقع الأمر لا يوجد شيء لا من هذا ولا ذاك ، سأفهم السياق سنة 2017 هي فقط حيل لإبعاد أصوات مزعجة والحفاظ على نفس النخب السياسية الموجودة والتي تجمعها مصالح شمالاً وجنوباً، هي نفسها النخب التي من الأفضل أن تهاجر بعيداً بدل العيش معها .. “فحتى مش ماكيهرب من دار العرس..“.
لكن للأسف، ذاك هو النموذج الذي يراد له أن يظل مسيطرا والذي هدم كل القيم والمبادئ على حساب التسطيح والزعامات الفارغة، يقول العميل السري السوفياتي المنشق “يوري بيزمينوف” إن زمن الحروب العسكرية لإخضاع الدول قد انتهى كأولوية، فالانتصار الآن يتم تحقيقه من خلال أربع مراحل لتمزيق أي بلد تبدأ بأهم مرحلة وهي إسقاط الأخلاق. Demoralization وهي مرحلة تحتاج من خمسة عشر إلى عشرين سنة لتدمير منظومة الأخلاق والقيم لدى المجتمع المستهدف..
هذا التدمير يتم الآن من خلال آليات تنفيذ كثيرة لعل أبرزها نخب الفساد ونخب التطويع والتنفيذ وهو تماما ما عشناه أمس بحرفنة وإخراج متقن وبلمسات مايسترو محترف يطبق التعليمات ويعرف الهدف الحقيقي الذي يسعى إليه. ما حصل أمس محصلة بلوكاج ممنهج ابتدأ بسد كل الأبواب مركزياً وجهوياً، سياسة تطفيش بلهجة المصريين..
لقد قضينا سنة 2016 كلها نثبت براءة النوايا، لكن لا البراءة ثبتت ولا الثقة بنيت .. هي جملة واحدة تتكرر في أذناي “حط اسوارت وعد من حيث أتيت”، كل المؤشرات تقول ذلك وقد فكرت مراراً وتكراراً في الانسحاب لكن عناد البدو وقصوحيت الرأس جعلاني في موقف دفاع مستميت.
لذا غيرت الخطة من دفاع إلى هجوم، استعمال نفس المصطلحات وإظهار القوة للخصم لا مكان للضعفاء من هنا، قضيت وقضى معنا الرأي العام طور جديداً من المرافعات والسجالات المتبادلة، كانت نقطة قوتي الوحيدة هي أولا زهدي في المناصب وثانياً لا يوجد أي شيء أخشى ضياعه، لا مصالح اقتصادية لا شركات لا عقارات.. هي شواهد جامعية وقليل من العلم ورصيد من اللغة لا ينضب.
ففي الوقت الذي كان خصمي يوزع أمواله على المريدين والموالين له ،كنت أنا مرتاحاً وقد استنزفته تماماً كما هي حرب الاستنزاف إبان سنوات الصراع العربي الإسرائيلي وقد نجحت الخطة وكاد يسقط لولا ألطاف غير مباركة تلقفته من جديد وأعادته إلى الواجهة، بحجة فك مشكل توقيف المجلس، وبحجة أيضا إضعاف حزب العدالة والتنمية في جهة كلميم واد نون.. هذا هو مغزى العودة وتحالف الأعداء الأصدقاء ولكل وجهة هو موليها.
جمعة أمس هي مفترق طرق لمسارات متعددة لقد أظهرت قوة الفساد ومدى انسجامه ومحافظته على أعضاءه وفي نفس الوقت ضعف ما كان يسمى بالأغلبية التي تهاوت وتساقطت كأوراق الخريف بسبب عدم القدرة على تحديد هدف معين وخصم معين ، هذا الأخير حج له الجميع للبحث عن التموقع بعد علمهم بصفقة الجهة تماما كما هي صفقة القرن، وقد اتهمني البعض بالفوز بنصيب من الصفقة وإليهم أقول حسابي البنكي أمامكم ومستعد للمساءلة عن أي نفع مادي استطاع البعض إثباته، خرجت بديون متراكمة بسبب إكراهات التدبير ولكل دين إثباته..
تفاصيل ضياع الأغلبية بدأت عند أول صفقة مرت في الجهة آنذاك جاءني شخص يطلب مني مبلغ معينا من المال و يتهمني بأني تلقيت مئة مليون سنتيم، علما أني لم أترأس لجنة تفويت الصفقات ولا يهمني على أي مكتب رست ما دام كل شيء في إطار القانون..
عندها فهمت أن هناك إكراهات تنتظرني لتسير مجلس الجهة وعلي تدبيرها وفق نسق معين أو تبريرها. من هنا ضاعت الأغلبية أو بدأ النزيف فكيف للبعض أن يظل مع رئيس لا يحضر لجنة الصفقات ولا تهمه على من رست !!
الآن عليك أيها القارئ فهم السياقات فأنا لست نبيا ولا ملاكا داخل هذه المذكرات، لي عيوبي الصغيرة وأخطاء كثيرة لكنها تتعلق بحياتي الخاصة ولا تضر أحد ولا تنفعه هي لي خالصة.. لكن في تدبير الشأن العام كنت جديداً بلا خبرة ولا تجربة تحيط بي العراقيل من كل جانب وعلي مجابهتها بلا مال ولا سلطة..
سأفهم متأخرا أن ما يعانيه مجلس الجهة من بلوكاج ليس بقوة وحضور ع.ب، ولكنها خطة لها عقول مفكرة ومدبرة ولها حماة وسيظهر لي ذلك جلياً عند رفض الاتفاقيات الموقعة أمام جلالة الملك ، يومها قلت تلك نهايتهم وطرت فرحاً كطفل صغير، وبعدها اكتشفت أني أغبى من الغباء نفسه وأن الرفض كان بداية لهم وكان تنفيذا لمخطط أفضى لما وقع أمس، ولولا مقاومات عديدة سنحكي تفاصيلها في القادم من المذكرات لانتهى بي الأمر عند حدود 2017 خارج رئاسة الجهة.
يتبع ………
يكتبه عبد الرحيم بوعيدة (رئيس مجلس جهة كلميم واد نون السابق)
رابط قصير: http://www.tighirtnews.com/?p=40517