هنا على ضفاف بحر الكثيب الكئيب تناثرت أجسام طاهرة لشباب في ريعان العمر، تكالبت عليهم حقب التاريخ وقساوة الجغرافيا ثم خبث السياسة، أبناء الصحراء يظنهم من يسكن شمالهم أمراء من آل سعود يعيشون في بحبوحة من النعيم مع امتيازات لا تعطى لغيرهم، جنوبهم أناس امتداد لهم غير أن كبيرهم لمح لحرماننا من أوراقهم، ويا لسخرية القدر وعبثية التاريخ، ومن يسكن شرقهم هم له حطب يستدفئ به لغاية في نفس صاحبه ويعقوب منه بريء، وغربهم بحر لجي كطاولة قمار من يعبره نجا نحو بلاد تحترم نفسها أولا ثم الانسانية ثانياً، ومن لم يحالفه الحظ يرحل تاركاً غصة في نفس أمه وأهله وذويه وعشيرته وبنيه.
الهجرة كانتقال من مكان إلى مكان، هي هجرة واحدة، سواءً كانت سرية أو شرعية، فالهجرة ظاهرة إنسانية، وحق مشروع لكل شخص، وقد عرفتها الشعوب منذ القدم، لكن يجدر بنا التمييز بين الشرعي والمشروع والبحث في الدوافع والأسباب.
ما الدافع أصلا ليلقي الشاب بنفسه لعرضة البحر؟
إذن الهجرة هنا ليست سرية، لأن الحكومات هي من تدفع شعوبها إلى الهجرة خوفاً من تحركهم داخل البلاد، سواءً كانوا في اليد العاملة، أو كانوا مفكرين، أو يحملون فكراً إيديولوجياً مختلفاً أو خارجاً عن المألوف والمتعود عليه.
أبناؤنا إذن يعيشون أوضاعا مأساوية دفعت بهم لتلك الهجرة ولمغادرة أوطانهم وركوب المخاطر، ومنها الأوضاع الاقتصادية باعتبارها من أهم الدوافع المسببة للهجرات الداخلية والخارجية وأكثرها تأثيراً في الأفراد، وتتمثل في تدني المستوى الاقتصادي للأفراد رغم وفرة الثروات وتنوع الخيرات، الأمر الذي يحد من طموحهم وأمانيهم في عيشة كريمة.
معاناة بلا حدود، وكوراث إنسانية مستمرة، ويزداد ضحاياها يوما بعد يوم، هذه هي نهاية رحلة الباحثين عن مستقبل أفضل على الشاطئ الآخر، لكنهم غرقوا مع أحلامهم، وابتلعتهم مياه البحر في الفصل الأخير من الحكايات الأليمة، فسلامٌ على أرواحكم أيها الطاهرون وأقول لمن كانوا سبباً عليكم من الله ما تستحقون.
يكتب: إبراهيم الخليل ناجي
رابط قصير: http://www.tighirtnews.com/?p=40421