التقسيم الجديد
قبل سنة 2014، كانت تسمى جهة ݣلميم السمارة، وهي تسمية تحمل إسم مدينتين/ إقليمين، ينتميان إلى الجهة، وبعد 2014 في التقسيم الجديد، أعطي لها إسم جديد وهو جهة ݣلميم وادنون، تم إسقاط اسم السمارة من التسمية ومن الجهة، وإلحاقها، مدينة وإقليماً، إلى جهة العيون الساقية الحمراء، وتم إسقاط السمارة في التسمية الجديدة والاقتصار بالعيون والساقية الحمراء.
وفي “أݣلميم” تم اضافة وادنون إلى تسمية الجهة، والاحتفاظ بإسم ݣلميم باعتباره عاصمة الجهة، مع إدراج إقليم جديد إلى نفوذ الجهة وهو إقليم سيدي إفني، وإلحاق إقليم طاطا الذي كان ينتمي إلى جهة ݣلميم السمارة، بجهة سوس ماسة، والسمارة بالعيون. وأصبح الاسم هو جهة ݣلميم وادنون، وهي جهة تحتوي على مدن ذات أهمية نسبياُ، كطانطان، وسيدي إفني.
الاحتفاظ بأسماء المدن العواصم والأودية
ويظهر أن تسمية الجهة جاءت كمثيلاتها في الأقاليم الجنوبية، وهي جهة العيون الساقية الحمراء، وجهة الداخلة واد الذهب، حيث يتم الاحتفاظ بأسماء المدن العواصم والأودية التي تتواجد على خريطة الجهة ونفوذها، إلا أن الفرق هو في طبيعة هذه الأودية، فواد الساقية الحمراء مثلا يخترق الصحراء شرقا من الحمادات ويمر بجوار السمارة ويتجه غرباً إلى العيون ليصب في المحيط، ونفس الشيء مع واد الذهب الذي هو واد مهم وحيوي يصب في ساحل الداخلة. عكس ݣلميم، فلا نجد واد اسمه وادنون على خريطة التضاريس، فقط؛ الكلمة تطلق على منطقة فسيحة ومنبسط ممتد تخترقه عدة أودية، أم العشار، بوكيلا واد الصياد، … وما يسمى بواد نون هو نفسه ما يسمى بكلميم، فواد نون لا علاقة له لا بأسا ولا بالزاݣ ولا بطانطان ولا بسيدي إفني ولا حتى ببويزكارن. فواد نون هو ݣلميم، وݣلميم هو واد نون. مع تسجيل تصحيف في كلمة ݣلميم فالأصل والصحيح هو أݣلميم، أما ݣْلميم فهي كلمة بدون معنى. (كلمة ديال الزنقة).
تسمية الجهات بالأودية اقتصرت فقط على المناطق الجنوبية والهامشية
كما أن في وسط جهة ݣلميم يمر بها واد كبير ومهم جدا وهو “واد درا” المعروف بـ”درعة” ويصب في محيطها، بالقرب من ساحل طانطان، ودرعة توجد في تسمية جهة أخرى هي جهة درعة تافيلالت. فتسمية الجهات بالأنهار والأودية هو تقليد تاريخي مرتبط بتقسيم المغرب جغرافيا عن طريق الماء وطبيعة التضاريس والجغرافيا، ولكن الملاحظ في التقسيم الجديد فتسمية الجهات بالأودية اقتصرت فقط على المناطق الجنوبية والهامشية، في جهة الصحراء التي ذكرناها ثم جهة سوس ماسة، وجهة درعة تافيلالت.
في المقابل الجهات الأخرى تم تسميتها بالمدن، ابتداء من مراكش آسفي، حيث إسقاط إسم تانسيفت التي كانت في التسمية القديمة، وكذلك جهة الدار البيضاء سطات، إسقاط اسم الشاوية، في التسمية القديمة، جهة مكناس فاس، عوض مكناس تافيلالت، وفاس سايس، في التقسيم القديم، وجهة طنجة تطوان الحسيمة، ثلاث أسماء للمدن.. أما وجدة فسميت جهة الشرق.
كيف تنظر السلطة والدولة إلى المجال؟
يعني هذا التقسيم، من خلال التسمية فقط، يظهر لنا كيف تنظر السلطة والدولة إلى المجال، وإلى التراب، من مراكش إلى طنجة فأسماء الجهات مقرون بالمدن، ومدن بعينها، وليس كل المدن، أما في جنوب مراكش فأسماء الجهات دائما مرتبط بأسماء الأنهار والأودية، بمعنى التصور القديم لما قبل المرحلة الكولونيالية، بمعنى ما قبل عملية التحديث. كأن الدولة تنظر إلى مناطق الجنوب والتخوم والحدود كأنها خارج ثقافة المدينة، فمثلا لماذا سميت بجهة سوس ماسة، ولم تسمى مثلا جهة أكادير طاطا، أو جهة الراشدية زاكورة، عوض تافيلالت درعة، أو مراكش تانسيفت….
الدولة تنظر إلى مجال تافيلالت أو مجال وادنون أو مجال الساقية الحمراء، كمجال جامد، وهي إن كانت تقوم بإعادة تملك المجال، وفق خطاطة توزيع السلطة من أجل المزيد من المراقبة والضبط، الاجتماعي والترابي معا، فإنها تحافظ على الجمود الثقافي للمجال، وتقوم بسياسة قتل حيوية التراب وديناميته، عبر سياسات عمومية وخطط تنموية.
الحسيمة … مجرد إقليم هامشي في جهة عاصمتها طنجة
فالدستور الجديد ينص على التوازن بين الجهات، وعلى الذكاء الترابي، وعلى العدالة المجالية، إلا أن الواقع يثبت العكس، فعدم تطبيق جهوية موسعة وتقدمية، ناتج بالأساس عن مشكل بنيوي في التقسيم، مثلا حراك الريف وإن كان سببه المباشر هو وفاة محسن فكري، إلا أن سياق استمراره وانتشاره هو ناتج بالأساس عن الحاق الحسيمة بجهة طنجة، بعدما كانت عاصمة لجهة الحسيمة تاونات، في التقسيم القديم، أصبحت في التقسيم الجديد مجرد إقليم هامشي في جهة عاصمتها طنجة، وتضم أقاليم تطوان والعرائش ووزان والشاون .. وبالتالي انتقل ثقل الجهة ومؤسساتها إلى طنجة.
أما في جهة ݣلميم وادنون، فيظهر أن الدولة فشلت في التقطيع الترابي للجهة، مما سبب في فشل وعجز المؤسسات المنتخبة أيضا، التي يعول عليها أولا تنزيل الدستور بشكل ديموقراطي وحداثي، وثانيا انجاح الجهوية.
جامعة واحدة تغطي نصف جهات المغرب
فعلى أية عدالة مجالية نتحدث بوجود جامعة واحدة تغطي نصف جهات المغرب وهي جامعة إبن زهر مما جعل رئاستها تفرخ في الكليات بدون أساس ولا قيمة، فقط لتعبر عن توزيع جغرافي موجه للاستهلاك والدعاية، وكيف يمكن الحديث عن الذكاء والتوازن الترابي وجهة ݣلميم وادنون وأقاليمها لا تتوفر على مستشفى جهوي، على اعتبار التعليم والصحة يعتبران محددان أساسيان لتحديد مستويات الفقر والهشاشة والحرمان والفوارق … وكيف لجهة درعة تافيلالت تنتج أغلى وأكبر نسبة من المعادن وتعتبر من بين أكثر الجهات فقرا وحرمانا….
الدولة تريد أن تصنع خرائط جهوية جديدة وفق تصور ينبني على تفكيك المجتمع، وتمزيق الخصوصيات وتذويبها في إطار قوالب هجينة، ولكن المستقبل سيعطي نتائج عكسية، لأن الأساس والروح في الجهوية هو منح المزيد من الحريات، وجعل الساكنة تستفيد من الثروات والموارد وتشعر بمتكافئ وعدالة في الفرص…
يكتبه: عبد الله بوشطارت (صحافي)
رابط قصير: http://www.tighirtnews.com/?p=40178