الرئيسية » أغراس أغراس » كلشي باين »

سيدي إفني … لا مفر من الخط البحري

أصلا مدينة إفني، هي مدينة بحرية، ليس لأنها تقتات من البحر ومن الساحل. ولكن أيضا، لأن مؤسسها الأول الجنرال كباص، نزل إليها من البحر، قادماً من الجزر الكناري، وحوٌل دوارا صغيرا يسمى أمزدوغ، كان يتشكل من منازل طينية قليلة جداً، حولها، إلى مدينة ساحلية حقيقية جميلة، جذابة ونظيفة. كان يطلق عليها مدينة الورود، بفعل العدد المهم من الحدائق التي تم خلقها وسط بنايات المدينة، وكانت إفني كبستان أخضر يعج بالزهور فوق صخرة عنيدة على شرفة البحر. وبالتالي أصبحت مدينة إفني امتدادا جغرافيا ومجاليا وحضريا للجزر الكناري. وكباص نفسه، بالرغم من أنه يتحرك تحت علم الإسبان، إلا أنه كان يعرف جيدا بأصله الݣوانشي الأمازيغي، وكان وهو يحط أقدامه على أرض إفني، يشعر بنفس الاحساس الذي يشعر به جميع الݣوانش الأمازيغ الذين يزوروننا حاليا بأيت باعمران، حيث يحسون أنهم يوجدون في نفس الوطن ويحملون معهم نفس شعور الانتماء. وهذا الشعور نلمسه حقيقة في اتفاق أمزدوغ، ولذلك يصعب أن نصف كباص بأنه جندي محتل لإفني. ومهما عملت اسبانيا أن تكذب الواقع، فإن الجغرافيا والتاريخ الدفين يؤكدان على أن الأرخبيل الكناري جزء لا يتجزأ من إفريقيا ومن المحيط الأمازيغي الذي ينتمي إليه إفني، قديما وحديثا.

على كل حال، هذا كلام ليس مقامه هنا والآن، ولكن نذكر به لأهميته الاستراتيجية، لكي نفكر جميعا في حلول ناجعة لمعضلة إفني التنموية ومستقبل المنطقة. فجدير بالذكر، أن إقليم إفني يعيش أزمة اقتصادية واجتماعية وتجارية خطيرة، ووضع المدينة حاليا يؤكد ما نقوله، حيث تحولت إلى مدينة أطلال، تنخرها العزلة والتهميش والاقصاء من كل المناحي. فنحن لا نرسم السواد على جدران المدينة، ولكن للأسف جميع أبواب التنمية مقفلة في وجه المدينة. فأين المفر؟ كنا نتوسم خيراً من إلحاق المدينة والإقليم إلى جهات الصحراء الجنوبية، فأصبح الجميع معذب من هذا الإلحاق، ودخلت المدينة النفق المسدود، ونحن طبعا نتابع ما يجري الآن في الأقاليم الأخرى المجاورة، خاصة إقليم طاطا الذي تخلص من فخاخ وادنون ووقعنا فيها نحن. أكثر من ذلك حتى النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية، التي ينتمي إليها إفني طبعا، لم يستفد منه الإقليم، بل شكل أول ضحايا هذا النموذج التنموي الجديد، من خلال مساهمة الطريق السريع، تيزنيت الداخلة، من عزل إفني وخنق جميع شرايينها،

وستزداد إفني عزلة وتهميشا من خلال مسار هذا الطريق الذي سيعمق الجراح أكثر. ولنا الحق في التساؤل، لماذا لم يسمى، منذ البدء، الطريق إفني_ الداخلة عوض تيزنيت _ الداخلة؟ والمنطق هو أن تكون الطريق ساحلية منذ المنطلق وليس أن تكون ساحلية إلا في مرحلة ما بعد مجال إقليم إفني، أي ابتداء من محور طانطان. هل هو تهميش مقصود لمدينة إفني؟. هل هي صدفة أن يختار مهندسي الطرق، رسم مسار الطريق تيزنيت الداخلة، في المكان الذي وقعت فيه معركة إيݣالفن سنة 1917، بين قبائل الجنوب بزعامة أيت باعمران، والجيوش الفرنسية المتحالفة مع المخزن؟.

إذا كان الطريق السريع بين تيزنيت الداخلة، هو مشروع استثماري ضخم، شبيه بطريق الوحدة، الذي ربط بين المناطق المغربية ذات النفوذ الفرنسي والمناطق الأخرى ذات النفوذ الإسباني في الريف، فإنه كان من الأجدر، أن ينطلق هذا الطريق من مدينة إفني التي كانت تحت حماية الإسبان وتخترق النفوذ الذي كان تحت حماية فرنسا في إقليم أݣلميم وطانطان ثم وصولا بوادي الذهب ومرورا بالساقية الحمراء التي كانت تدخل ضمن مجالات الحماية الإسبانية، وحينها سنتحدث عن مسار حقيقي ومتين للمصالحة الوطنية. أما عزل إفني هكذا، فإنه يترك في دواخل ذوات أبناء آيت باعمران وإفني الشعور بالحݣرة والظيم.

حاليا مدينة ݣلميم تحظى بافتتاح مطار دولي، بعد أن سنحت لها كل الظروف لتتبوأ مكانة عاصمة الجهة، واتخاذها بوابة الصحراء على حساب إفني، وقريبا سيتم الإعلان عن اتفاقية بين المجلس الإقليمي لأݣلميم وشركة طيران، سيخصص بشأنها المجلس الإقليمي منحة مالية شريطة أن تضمن الشركة رحلتين جويتين خلال كل أسبوع بين مطار لاس بالماس ومطار مدينة أكلميم، بسعر مقبول لكي تستفيد جالية وادنون من هذه الرحالات، وهي جالية كبيرة جداً ولها ثقل اقتصادي واجتماعي مهم وهي المصدر الوحيد للعملة الصعبة بالمنطقة، لكنها تتعذب كثيرا في تنقلاتها وزياراتها لأهلها، حيث تضطر إلى النزول في مطار العيون وأكادير… وهذه المبادرة ستدفع بحركية اقتصادية واجتماعية وتجارية إلى الأمام، وستساهم في خلق دينامية داخل مدينة أݣلميم.

نعود إلى إفني، ونقترح أن ينصب النقاش في ضرورة فتح خط بحري يربط بين ميناء إفني ولاس بالماس، بشكل جدي وعاجل، عن طريق إعداد ملف كامل ومتكامل حول الموضوع، وسلك المسلك الحقيقي للوصول إلى الهدف. فلا يعقل أن يتم حصار مدينة إفني أرضا وجوا وبحرا، ونتحدث عن الاقلاع والتنمية ومحاربة الفقر …. ومادام أن إفني تم تحييدها عن مسار الطريق السريع تزنيت الداخلة، وتم تعطيل مطارها الدولي لعدة عقود، فيبقى الخط البحري هو الحل الوحيد من أجل كسر العزلة وانفتاح المدينة على محيطها الدولي.

فقلنا في البداية أن إفني كانت مزدهرة وحيوية لكونها نقطة ومعبر حدودي نحو الجزر الكناري التابعة للدولة الإسبانية، وهي جزر سياحية بامتياز. وصل فيها معدل السياح إلى أعلى المستويات وتستقبل سياحا من مختلف بلدان العالم، وبفتح الخط البحري مع هذه الجزر عبر مدينة إفني، ستصبح هذه الأخيرة واجهة سياحية مغرية وبديلة، كما أنها ستستعيد عافيتها التجارية بانفتاحها على البحر. كما نود أن نشير إلى أن المسؤولين في الجزر الكناري يفكرون في الانفتاح على مناطق إفني والجنوب المغربي، وخلق مشاريع سياحية بها، للتخفيف على الضغط الحاصل في ارتفاع عدد السياح خاصة في بعض الفترات من الموسم السياحي، حيث يفكرون في خلق مشاريع سياحية على الساحل المغربي للتخفيف ولتنويع العرض والرغبة من الاستفادة في بعض المؤهلات التي يزخر بها الجنوب المغربي.

يكتبه الصحفي: عبد الله بوشطارت

مشاركة الخبر مع أصدقائك

أكتب تعليقك