الرئيسية » أغراس أغراس » كلشي باين »

التنمية في سيدي إفني … والعصرِ إنَّ الإنسانَ لفي خسرٍ

مؤلم جداً، ما يقع في إفني، لأنه أولا هو نتيجة لما وقع، وثانياً سيكون سببا لما سيقع في المستقبل. إفني ينتظرها مستقبل تنموي كارثي بكل المقاييس. إفني الآن وصلت إلى مستويات جد متدنية في كل شيء، جمود اقتصادي وركود تجاري ووضع اجتماعي مقلق، وإفلاس سياسي ونخب هشة فاسدة كسولة، شاخت وتتجدر فيها كل نزوعات الجشع والاحتكار وسرقة الأراضي وعقارات الجماعة وأملاك الدولة، وخاصة منها الملك البحري. مثلا الذين يستفيدون من العقارات العمومية هم نفسهم الذين يسيطرون على المجلس البلدي، في كورنيش المدينة الوحيد، يوجد فيه پار (حانة) واحد يملكه عضو في البلدية وبجانبه مقهى وحيد على البحر يملكه السيد الرئيس، فسواء تريد شرب البيرة أو براد أتاي “فغيشدوك غيشدوك”، كأنهم قاموا بتوزيعة الملك البحري على المقاس، ونفس الشيء وقع بجميع الأملاك العمومية قسموها كما تقسم البتزا. طبعا من حق المستثمرين ممارسة السياسة والعمل الانتخابي، ولكن ليس بهذه الطريقة التي نشاهدها ونعيشها في إفني، والمضحك أن يتم برمجة نقطة في اجتماع لجنة السير والجولان لكي يتم تغيير محطة وقوف الهوندات فقط لأنها تقف أمام مقهى اقتناها الرئيس مؤخرا … ما خفي أعظم ...

ما إن انتهى قارئ من تلاوة سورة والعصر إن الإنسان لفي خسر، التي افتتحت بها فعاليات ندوة حول التنمية البشرية داخل مقر العمالة، حتى دخل عضو في بلدية إفني، وهمس صديق في أذني وقال لي، هل تعرف من دخل، أجبت نعم، وقال إنه نموذج صغير الإفلاس والفساد، إنه عضو منتخب يبني منزله بإسمنت الجماعة في حي … اجبت، الله أعلم، الظلم صعيب … أراد الصديق الذي يعرف كل حيثيات إفني، أن يشرح لي ويقدم مبررات أخرى تؤكد ما يقول، لكن طلبت منه السكوت لأنني أريد أن انصت لمداخلة عميد كلية الجديدة قرنفل، الذي أراد أن يقول كل شيء ولم يفلح في قول فكرة واحدة مهمة ومفيدة … ولأول مرة أرى قرنفل ذبل لا رائحة فيه ولا نسمة….

تساءلت مع نفسي ما هو هدف استدعاء عميد كلية الجديدة عاصمة دكالة ليخاطب الناس في إقليم إفني حول العهدة الثالثة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية … أحجمت نفسي من إطلاق تأويلات ممكنة وغير ممكنة حول حضور عميد كلية الجديدة وكلية أكادير وجيش من الأساتذة الجامعيين في مثل هذه الندوات. وإن كانت مداخلة الأستاذ بنعتو مهمة وهو متخصص في هذه المجالات وله كتاب حول جغرافية تنمية التراب في منطقة آيت باعمران، ولكن في المجمل الأستاذ حاضر عدة مرات في إفني ولا بأس من التفكير في سبل أخرى للبحث عن حلول ناجعة أكثر للدفع بفكرة المبادرة الوطنية.

انفتاح الجامعة على المحيط، رهان كبير وفكرة محمودة ولكن، أن تتحول الجامعة إلى خدمة السلطة، وأن تشرعن بعض السلوكات التي تعيق العمل التنموي فهذا يضر كثيرا بسمعة البحث العلمي وبالأفكار والأهداف النبيلة للجامعة. شخصيا نشجع العمالة في إفني وغيرها من الأقاليم للتعاون مع الخبراء والجامعيون، في خدمة التنمية وخدمة الساكنة، وخدمة المصلحة العامة، ولكن ليس بهذه الطريقة، أصبح بعض الأساتذة يحاضرون في العمالات والأقاليم أكثر مما يحاضرون في مدرجات الكلية.

حين هبط أستاذ جامعي من منصة الندوة، انتظرته أمام الباب، قلت له، كل ما قلت له جميل، ولكن غير مفيد هنا، استغرب، ثم أضفت، هل تعلم أن أقرب دوار من مدينة إفني على بعد أمتار على المدينة وهو دوار أݣجݣال ليس فيه ماء، لا الذي يصلح للشرب والذي لا يصلح للشرب، وما عساك لدواوير لاخصاص وإمجاض وأيت رخا …. المئات من الدواوير تعاني من وطأة العطش….المبادرة يجب أن تناقش كيف ومتى سينتهي ظمأ الفقراء وعطش ساكنة البوادي … أما الحديث عن الشعارات الكبرى والكلام الفضفاض فلم يعد يجدي نفعا، فحتى ملك البلاد دعى إلى مخاطبة الشعب بالصراحة وأعلن فشل النموذج القديم في الاشتغال والتواصل، لم يعد الوقت كافيا للحديث عن المقاربة التشاركية والحديث عن العمل الأفقي والعمل العمودي وفلسفة المبادرة … إن كانت هناك فلسفة أو روح للمبادرة فيجب أن يشعر بها المواطن في الجبال والمدن والقرى

المبادرة فكرة جميلة انبثقت من رحم حضارة “تيويزي” ولكن تنفذ بأسلوب يسيء إلى قيمها وأهدافها النبيلة، قامت الدولة مؤخرا بإبعاد المنتخبون من شأن المبادرة لأنها اكتشفت عقم العقل التنموي عند جل المنتخبين الذي يتلاعبون بمصالح المواطنين وينظرون إليهم كأرقام انتخابية فقط.. ولكن حتى اخضاع المبادرة للسلطة هو أيضا مغامرة..

يكتبه: عبد الله بوشطارت

مشاركة الخبر مع أصدقائك

أكتب تعليقك