الرئيسية » سياسة ومجتمع »

تحليل اقتصادي لسلاح المقاطعة …

الأستاذ محمد بوشفي (*)

“نعم لسلاح المقاطعة. لا لتضليل المغاربة: لا يمكنني كمواطن مغربي أولا، و كأستاذ اقتصاد ثانيا أن أبقى ساكن اللسان أمام ما تعرفه بلادنا من مقاطعة لمجموعة من الشركات. فقط للتوضيح، شركة سنترال هي شركة تم خوصصتها، وليست شركة وطنية كما يدعي البعض، وقد تتبعنا جميعا احتجاجات الفلاحة ضد هذه الشركة بسبب الأثمنة الزهيدة التي يتلقونها على منتجاتهم من الحليب الخام، في المقابل تبيع الشركة الحليب المكرر بأسعار عالية مقارنة مع ثمنه خارج الوطن أو ثمن الحليب الخام.

بالنسبة لمحطة أفريقيا فالمعلوم أنها من أهم الموزعين للمحروقات على الصعيد الوطني، وأنها تشكل “كارتل” مع موزعين آخرين يتفقون على سعر البيع للمواطنين، وأنه وحسب تصريحات مسؤولين حكوميين، فسعر البيع يوفر هامش ربح كبير للموزعين على حساب المستهلك وأرباب النقل والمصنعين … وهنا أخلت الحكومة بالتزاماتها أمام المواطنين من حيث التدخل لموازنة ثمن البيع محليا وفق ثمن المحروقات دوليا.

ورغم انخفاض ثمن هذه الأخيرة في البورصات العالمية، يستمر الموزعون في فرض أثمان كبيرة لا تحترم مبدأ “الموازنة ” indexation.  أما بالنسبة لشركة المياه المعدنية، فهي شركة تستغل رخصة الاستغلال للمياه التي هي ملك لجميع المغاربة، وتبيعها بأثمنة خيالية مقارنة مع تكاليف الإنتاج والتوزيع، ومقارنة بسعرها على الصعيد الدولي.

نفس الشيء يقوم به موزعوا المياه المعدنية من حيث الاتفاق على سعر بيع متقارب في إطار كارتل مربح جدا لفئة من المقاولين تستفيد من ريع “تقنين القطاع “. وهنا لا بد للإشارة إلى مسؤولية المكتب الوطني لتوزيع الماء والكهرباء والوزارة الوصية في إمداد المواطنين بمياه ذات جودة ضعيفة تجبرهم على اقتناء المياه المعدنية؛ ليس ترفا ولكن اضطرارا.

واستنادا على المرجعية الليبرالية للاقتصاد المغربي، فعلى مجلس المنافسة أن يعلن صراحة غياب منافسة حقيقية في هذه القطاعات الاستراتيجية بالنسبة للمستهلك، ويطالب بفتح القطاعات المعنية أمام مستثمرين آخرين حتى تنخفض أثمنة البيع للعموم. نفس التحليل ينطبق على قطاع السكنى والأشغال العمومية والزيوت و الأبناك والتأمينات .. التي ترزح تحت سيطرة لوبيات تفرض أثمنة غير معقولة و مبالغ فيها على المغاربة، تؤدي إلى إثراء المقاولين إثراء فاحشا وإلى “برتلة” الطبقة المتوسطة وإنهاك الطبقة الفقيرة.

و أعتبر خيار مقاطعة بعض المنتجين قرارا صائبا لأنهم سيضطرون إلى خفض سعر البيع، مما سيدفع المنتجين الآخرين بدورهم إلى تخفيض أسعار بيعهم كذلك، وسيكون المواطن المغربي قد كسب رهان موازين القوى أمام اللوبيات التي تمادت في الاستفادة من ريع التقنين والحماية دون أية مجهودات من طرفها للمساهمة في تحسن القدرة الشرائية للمواطن المغربي.

أما فيما يخص محاولة إلصاق تهمة التحريض على المقاطعة لتوجه سياسي معين فاعتبر، ورغم اختلافي المنهجي مع التوجه السياسي المعني بالأمر، أعتبر هذه المحاولات محاولة لتضليل الرأي العام الوطني والمواطن المغربي وثنيه عن خوض هذه المعركة النبيلة والراقية من أجل استرداد حقوقه المادية والمعنوية أمام احتكارات ريعية وفي غياب تام للحكومة وعدم اكتراث نواب الأمة الذين يستفيدون من امتيازات تغنيهم عن الخوض في مواضيع حساسة وحيوية بالنسبة للمواطن المغربي.

المشككون في نوايا مقاطعة هذه المنتوجات لم يقدموا البدائل العملية للحؤول دون استمرار استغلال المواطنين، ويجهلون ربما، أنه مباشرة بعد تخفيض الشركات التي تم مقاطعة منتوجاتها للأثمنة، فالشركات الأخرى ستخوض هي أيضا سعر بيع منتجاتها. لكي ينجح سلاح المقاطعة، يجب على المغاربة انتظار تخفيض الشركات الأخرى المنافسة أيضا لأثمنتها قبل عودتها لاستهلاك منتوجات الشركات المستهدف بالمقاطعة، أو على الأقل التزام هذه الأخيرة بتخفيض الأسعار بصفة نهائية أمام المستهلكين، حيث أنه في حالة تخفيض الشركات المستهدفة لأثمنة البيع وعودة المستهلكين مباشرة إلى الطلب على منتوجاتها، فإنها ستعود إلى رفع الثمن وفقا لقانون العرض و الطلب. وهنا نطرح سؤالا حول مدى جدية جمعيات حماية المستهلك ومدى تأطيرها للمواطنين ودخولها كطرف مدني في هذا “النضال التجاري “.

(*) أستاذ الاقتصاد

مشاركة الخبر مع أصدقائك

أكتب تعليقك