الرئيسية » أغراس أغراس » منبر الأحرار »

تحت الدروج … هندسة وفلسفة مغربية لمآرب أخرى

في كل بناية أو منزل أو عمارة، ستجد دائما مساحة فارغة تسمى “تحت الدروج”. هو ركن مهمل، مكان خال، مساحة منسية، خطا معماري موروث يسمى تحت الدروج .. لكن عندنا في المغرب أصبح تحت الدروج مفهوما معماريا يأخذ مكانا لائقا في حسابات الهندسة المعمارية الحديثة.. ومع الوقت صار انعكاسا لعقلية مغربية تشكلت منذ سنين بفضل عوامل التعرية التي قلصت مساحات شاسعة  ليستقر الاتساع في الخاطر فقط.anfloss

هكذا أصبح تحت الدروج فلسفة مغربية لمحاربة الفراغ الذي تخشاه الطبيعة .. وظف المغاربة تحت الدروج لمآرب شتى، فهو المكان المثالي لربط خروف العيد وركن الدراجة وإيداع قنينات الغاز الفارغة وقنينات الموندا وحتى علب النيدو، تحت الدروج هو مكان لوضع الأحذية الرياضية وكرات الاطفال والبانيوات والسطولة وجلدة الحمام ولوازمه والكارتون والمجمر والفحم والحبال ورأس الحولي والهيضورة وحتى الأسلاك التالفة وبقايا الزليج المستعمل والفران والباراسول والكراكيب والطواجن والمتلاشيات….

تحت الدروج هو المكان المناسب حسب عبقرية المهندس المعماري لبناء الطواليت رغم أنك ستجبر على خفض رأسك وأنت تقضي أهم اغراضك البيولوجية. وسيأتي دوما من يطفئ عليك النور وهو يعتقد أن الطواليت شاغر أو من يتركه طيلة اليوم وهو يعتقد أن الطواليت عامر.

وبسبب الحميمية التي يوفرها  بعيدا عن الأعين والاذان والنوافذ، فقد صار تحت الدروج مكانا مثاليا لعقد اللقاءات الغرامية الأولى ولسرقة القبلات المحرمة ولإطفاء بعض من اللذة الخفية. وحتى لصناعة سيجارة محشوة بعيدا عن أعين الفضوليين الذين يزاحمونك العالم.

هناك من يوظف تحت الدروج لعقد الصفقات المشبوهة أو لنسج السيناريوهات الممكنة لشهادة الزور أو لوضع خطة محبكة لطبخ مكتب جمعية أو شراء أصوات انتخابية بمبالغ متلتلة. كما تستغل النساء تحت الدروج لإكمال الدردشة التي ابتدأت في البيت منذ أربع ساعات أو لقول ما لا يمكن قوله أمام اصحاب البيت أو لإرضاء نزوة النميمة التي يزيدها الصوت المنخفض وظلام المكان وعزلته، حلاوة تفوق سيناريوهات المسلسلات المكسيكية.

تحت الدروج هو أيضا مفهوم سياسي واقتصادي، فالشركات العملاقة لها تحت دروجها الذي تعقد فيه الصفقات النتنة والتي تتهرب فيها من الضرائب وحقوق عمالها لأنه الفضاء الذي لن تلتقطه عدسات الكاميرا ولن تتسرب أخباره إلى الخارج وحتى عمليات فتح الأظرفة تمر أولا بتحت الدروج قبل أن يتم تجسيد المسرحية أمام الناس، والمقاول الذي لا يعرف تحت الدروج لن ترسو عليه أية صفقة.

هناك مشاريع حققت ثروات طائلة بوقفة واحدة تحت الدروج. وهو مفهوم سياسي أيضا لأن المخزن اعتاد أن يضع تحت الدروج أحزابا انتهت صلاحيتها وأحزابا احتياطية وجمعيات ذات نفع عام وأخرى ذات نفع خاص وكائنات سياسية يتكئ عليها ويهش بها على غنمه وله فيها مآرب أخرى.

لنتأمل سويا  ماذا يوجد تحت الدروج أهم مؤسساتنا العمومية، مثلا العمالة يوجد تحت دروجها مقر القوات المساعدة حيث يتناوب على الحراسة رجال غلاظ شداد لا يعصون الأوامر ويفعلون ما يؤمرون. بالنسبة لمفوضية الأمن خصصت تحت الدروج كزنزانة للحراسة النظرية. أما البلدية فقد اختارت تحت الدروج كمكان مناسب لمكتب الضبط. ولا زلنا نتذكر المرحوم البوجرفاوي عندما عاقب الكاتب العام المتقاعد بوضعه تحت الدروج نكاية في إنزال الناس منازلهم..

أما المستشفى الإقليمي فقد اختار تحت الدروج مساحة طاهرة كمسجد للصلاة، أما مندوبية التعليم فقد جعلت من تحت الدروج مخزنا لأهم مراسلاتها وبيانات مؤسساتها. أما مندوبية الأوقاف فلا تمتلك تحت الدروج لأنها أصلا عبارة عن غرفتين فوق الدروج وأربعة أعلام وطنية.

يحكي لي أحد من أثق فيه أن أحد باشوات إفني ضبط تاجرا كبيرا يتاجر في الكونتر بوند فاستدعاه إلى مقر الباشوية. فما كان من المسكين إلا أن أخذ ظرفا ماليا به ثلاثة الاف درهم فمنحه للباشا الذي انتفض رافعا يديه إلى السماء ورافضا تسلم الرشوة بدعوى أنه محلف، وأمام ارتباك التاجر وتصبب العرق على جبينه وندمه على فعلته الشنعاء، فتح السيد الباشا درج مكتبه قائلا “ارم الظرف هاهنا فما عاذ الله أن أمسك رشوة بيدي”.

يكتبه: محمد أنفلوس

مشاركة الخبر مع أصدقائك

أكتب تعليقك