الرئيسية » أغراس أغراس »

الصحافي عبد النبي إدسالم يكتب: بين البرلمان وباليما “اغورا” الرباط !

اثار انتباهي خلال الأسابيع الأخيرة الشكل الثقافي الذي يؤديه مجموعات من الشباب قبالة البرلمان بشارع محمد الخامس بالرباط، وبالضبط في ساحة مقهى “باليما”  المشهورة،  حيث حولها الشباب بعد إغلاقها إلى فضاء للتواصل وتجسيد إبداعاتهم  وعروضهم الفنية، والتي يمكن إدراجها ضمن ما يصطلح عليه في الأدب “بمسرح الشارع”، حيث ترى حشود من المتفرجين وهم يتابعون بإمعان ونظام  الاشكال الثقافية المعروضة، والتي هي بطبيعة الحال، محاكاة للواقع المعاش عبر إرسال رسائل فكرية  تهم كل الموضوعات التي تشغل بال المجتمع والدولة، كالدين / العلمانية / الحروب / الحداثة / اللغة /  السياسة….. محمولة على شكل شفرات الحركات والرقصات والكلمات…، ويتم خلق تفاعل ثقافي فكري بين الاشخاص تجعل من ساحة “باليما” أغورا جديدة بالرباط.agora rabat 2

فأغورا كانت ساحة طبعت تاريخ اليونانيين القدامى وسط المدينة أثينا، فضاء مفتوح يأتوه الناس بمختلف فئاتهم من كل ارجاء المدينة، وتحولت إلى برلمان شعبي تطرح فيه قضايا المجتمع الفكرية والسياسية والاجتماعية للنقاش، ويكون الهدف تبادل الآراء وتوعية الأفراد وإقناعهم. هكذا إذن حول الشباب ساحة باليما اليوم، وما أدراك ما باليما لدى الصحافيين، والسياسيين والمثقفين والفنانين والرياضيين وغيرهم داخل وخارج الوطن،  المقهى  الذي تأسس سنة 1932 وركب اسمه من الأحرف الأولى لثلاث فرنسيين هم” باردي” و” ليوري” و”ماتياس”، وشكلت باليما عبر تاريخ المغرب مكانا للأخبار والأفكار، وحبك خيوط السياسة  بدسائسها ومؤامراتها نظرا لطبيعة رواده من مختلف المشارب، ويكفي أن نستحضر بعض الأسماء التي ارتبط اسمها بهذا المقهى كالطائر الأزرق الكاتب الأسطورة “محمد خيرالدين” الذي لم يفارقها منذ عودته من منفاه بفرنسا إلى المغرب إلا وهو على نعشه،  ثم تشي كيفارا المحتجز فيه أثناء زيارته للمغرب إلى أن تدخل “عبد الله ابراهيم” لدى الدوائر العليا، والكاتب الفرنسي الفنان “شارل تروني”، والرئيس السنغالي “ليوبولد سيدار سانغور” وهو من بين أبرز الأدباء والشعراء الأفارقة في القرن العشرين، ويحتفظ الكتاب الذهب الأحمر لباليما على الاف الكلمات لرجالات آخرين حطو الرحال هناك.

“أغورا” الرباط كتب لها أن تولد  قبالة البرلمان  وهي رسالة ما بعدها رسالة للسيرك السياسي المغربي، بهندسته المعمارية الفخمة والمزركشة، الذي منه تنقل مباشرة علىإاثير الإذاعات وشاشات التليفزيون مئات القصص والحكايات الشفوية والمكتوبة، تجاوزت كل ما كتب في “ألف ليلة وليلة” عن شهريار عندما اكتشف خيانة زوجته وزوجة أخيه، وكثيرون هم من جلسوا في باليما يتحسرون على خيانة من اختاروهم لتمثيلهم بالسيرك المقابل لهم، وكم من واحد خرج من باليما بوعد من وعود السياسة  الزائلة ليجد نفسه خارج المعادلة أو منقلبا عليه ويلتهمه النسيان،  وكم من معطل محتج أمام البرلمان نجى بجلده من أوامر السلخ الأتية منه ليختلط  بالجالسين بالمقهى كملجأ له، وكم من ملف كانت طاولات وكؤوس باليما شاهدة على حبكه وطرزه بالشكل الذي أريد له.

واليوم لا يسع إلا أن نفتخر لكوننا نملك في العاصمة الرباط، نوعين من الـ”أغورا”؛ أغورا “باليما” وأغورا “بارلمان” … الفرق بينهما أن الأولى نابعة من عمق صادق لدى شباب يأس كل أساليب الخداع وقرر أن يتمرد بطرقه تلك، غير أن تمرده هذا ليس بسلبي، بل على العكس يتيح له التحرر أكثر من قيود الظلم وأصفاد البهتان، وعبره يبعث رسائل هامة إلى “الممثلين” الجالسين على كراسي مكيفة بالأغورا المقابلة. وإذا كان شباب أغورا باليما يؤدون إبداعاتهم بنجاح وصدق وأمل في مستقبل أفضل وأكرم، فإن سكان الضفة الأخرى غارقون في ثمالة سياسية خالية من أي إبداع وهم، وهذا هو الفرق.

يكتبه: عبد النبي إدسالم – صحافي                    

مشاركة الخبر مع أصدقائك

أكتب تعليقك