مشهد كئيب يعيش على إيقاعه الإعلام المحلي بمدينة تيزنيت في هذه اللحظات الفارقة من ارتدادات الزمن الحقوقي المغربي، ففيما يشبه تشييع جنائزي لتجارب إعلامية بصمت الساحة السياسية والثقافية والاجتماعية بمدينة تيزنيت وفي عمر يمتد لدى بعضها إلى عقدين من الزمن الإعلامي المواطناتي .. وباسم قانون الملاءمة الذي أتى به الخلفي الوزير السابق في حكومة العدالة والتنمية، قضت المحكمة الابتدائية بتزنيت بحجب 09 مواقع إلكترونية محلية بسبب وضعيتها غير الملائمة لمدونة الصحافة الجديدة.
فيوم الأربعاء الماضي 29 أبريل 2020، أمرت المحكمة بتيزنيت بحجب 05مواقع الكترونية وهي موقع تيزنيت نيوز، موقع أخبار الجنوب، موقع تافروات 24، موقع ماروك دايلي، وموقع تربويات .. واليوم الأربعاء 06 ماي 2020، قضت ذات المحكمة بحجب موقع تيزبريس، وموقع إفني نيوز .. كما ينتظر النطق بالحكم الأسبوع القادم بخصوص موقع “تيزنيت 37” وصفحة “سطاسيون 23”..
وبهذه الأحكام يتم إعلان نهاية تجارب إعلامية أصبحت جزء من الزمن الاجتماعي والسياسي لمدينة تيزنيت، وفي مقدمتها موقع تيزبريس كأول موقع الكتروني محلي كان في طليعة المواقع الاليكترونية الجهوية، والذي حافظ لسنوات عديدة على موقع الريادة من حيث عدد زوراه على الصعيد الجهوي والوطني، .. وهو ككل المواقع المحلية التي تم الحكم بحجبها من تيزنيت نيوز وتيزنيت 37 وتافروات 24 وأخبار الجنوب وماروك دايلي، كانت كلها وبدون استثناء الحاضنة الإعلامية لوجع المدينة، ونافذة الأقلام الحرة، والصوت المعبر عن هموم الناس وتطلعاتهم، وديوان مظالمهم .. كانت هذه المواقع سلطة أخرى، ورقابة مدنية وشعبية ضد عنف الدولة وخروقات الإدارات وتجاوزات النافدين باسم المال والسلطة …
من يقول مثلا تيزبريس، سيتذكر بكل تأكيد ملفات مافيا العقار وقضايا الأرض والرعي الجائر .. ومن يقول أخبار الجنوب وتيزنيت 37 وتيزنيت نيوز وتافروات 24 ، سيتذكر المساءلة الاجتماعية للسياسات العمومية المحلية ولقضايا المدينة والبادية .. ومن يتذكر كل هذه المواقع سيتذكر حتما الغطاء الإعلامي لكل الديناميات الاجتماعية بتيزنيت من 20 فبراير إلى معركة المحطة الحرارية وصولا إلى تردي الخدمات الاجتماعية بالمدينة .. هي باختصار ملاحم إعلامية فضحت غياب العدالة المجالية، وجبن النخب الحزبية المحلية والتي ترفل في تعويضات وامتيازات المهام الانتدابية دون أن تترافع بجرأة عن هموم المدينة وباديتها .. فكان الإعلام المحلي إعلاما بديلا عن هؤلاء الذين خذلوا المدينة.
غداً قد نستيقظ بدون هذه المواقع الاليكترونية المحلية المستقلة عن اللوبي المالي/ الحزبي، ولكن بكل تأكيد لن تعيش تيزنيت خارج الشرط الكوني، الذي أصبحت فيه المعلومة والخبر والصورة والكلمة تنتقل بسرعة الضوء رغم الحصار والتعتيم .. وواهِم من يمد رجليه الآن منتشيا بنهاية هذه التجارب الإعلامية، لأن النهر يشق مجراه رغم أنف المنع والحصار .. فإذا كانت تيزنيت في سنوات الرصاص لم تغب عن المشهد الإعلامي في المحرر والاتحاد الاشتراكي وبيان اليوم والعلم وأنوال مع أحمد ادواعراب ومحمد إديحيا ومحمد دادسي والعشرات من الأسماء التي كانت تقاوم القمع بالأسماء المستعارة، فهي الآن في عصر الثورة الإعلامية والمعلوماتية لن تعجز أن تقاوم تكميم الأفواه .. لأن اليوم كل الإمكانات متاحة أن نجعل من مدينة صغيرة مادة إعلامية في كبرى القنوات الفضائية، وخير مثال على ذلك تجربة التغطية الإعلامية ليوم الغضب في تيزنيت السنة الماضية حيث استطعنا بتواصلنا مع الإعلام الوطني والدولي أن تكون تيزنيت موضوعاً للنقاش في فرانس 24، وخبر في أزيد من 40 موقع إليكتروني على الصعيد الدولي، بالإضافة مئات التغطيات الصحفية على الصعيد الوطني ..
باختصار .. نتألم أننا سنفتقد تجارب إعلامية مهمة أصبحت جزء من الذاكرة الجماعية لتيزنيت ، ولكن بكل اعتزاز نحيي الأسماء الإعلامية التي لم تقايض استمراريتها باستقلاليتها .. ونحن على قناعة راسخة أن كل الأصدقاء ضحايا الحجب الإعلامي سيدشنون تجارب أخرى بنفس الجرأة والمصداقية وقيم المواطنة .. فالمدينة التي كانت في السبعينات تخرج منها القصاصات الإخبارية من جبال تافروات نحو إذاعات المعارضة في الخارج (في أوج الصراع المسلح بين عنف الدولة وعنف المعارضة)، لن تعجز عن صياغة مادة إعلامية في زمن الفايسبوك والثورة الإعلامية، لأنه بهاتف نقال يمكن أن نجعل من واقعة في أكرض أوضاض أو بونعمان أو بوييغد مادة إعلامية في لكم2 أو البي بي سي!
رابط قصير: https://www.tighirtnews.com/?p=44069