الرئيسية » ثقافة وفن »

واحة “أكني إعدان” بـ”بوطروش” …. أشجار تروي حكايات أجداد قاوموا الطبيعة وحولوا أرض قاحلة إلى أرض معطاء

قليل من يعرفون بوجود هذه الواحة الجميلة التي تبعد عن مركز “بطروش” القروي ضواحي مدينة “تيزنيت” بحوالي عشر كلومترات، وتمتد على عشرات الهكتارات. في أول زيارة لنا لهذه الواحة، وبعد رحلة سياحية مشيا على الأقدام لأكثر من ساعتين في تضاريس وعرة، حيث لا مجال للحديث عن أية وسيلة أخرى سوى المشي على الأقدام، وصلنا إلى هذه الواحة حيث تستقبلك أشجار النخيل والزيتون لتروي لك حكايات من عاشوا هنا من أجداد، الذين قاوموا هذه الطبيعة واستطاعوا بفضل جهدهم وكدهم أن يحولوا هذه الأرض القاحلة إلى أرض معطاء منتجه لكل أنواع الخضروات التي تمتل عيشهم الوحيد في هذا الركن المعزول والبعيد كذلك عن كل وسائل المواصلات والاتصال.

مشاريع تسير بشكل جماعي

أثناء هذه الرحلة، رغم أننا لم نكن من ذوي الاختصاص لاستكشاف كل تختبيه هذه الواحة من مظاهر الحياة التي تكتنزها الطبيعة وزواياها. تمكننا بفضل من رافقونا أثناء هذه الرحلة ممن سبق لهم أن عاشوا بعضا من طفولتهم في هذا المكان، وهم الآن يتجاوزون سن السبعين عاما، (تمكنا بفضلهم) من الاطلاع على مجموعة من المشاريع التي كانت تسير بشكل جماعي من طرف سكان الواحة ومن أهمها، دورة مياه السقي، حيث وقفنا على مصاريف وأخاديد المياه التي تجلب المياه من العيون المتواجدة بالواحة، وهي عيون لا تنضب ومعروفة بوفرة وجودة مياهها التي كانت تستعمل لسقي بساتين السكان بشكل دوري.btrcch

صناديق النحل … مظاهر الغنى والثراء

“المنحل” الجماعي وهو عبارة عن مكان لجمع ما يتوفر عليه السكان من صناديق النحل قصد حراستها لما تشكله من مظاهر الغنى والثراء، والمسجد الجماعي، وهنا كانت المفاجأة، حيث أن البناية من خارجها تبدو متواضعة من حيث الشكل والبناء، ولكن بمجرد ان تطأ قدماك بابها الرسمي والدخول إلى قاعة الصلاة ستلاحظ كل أشكال الزخرفة والفن المعماري المغربي الأصيل التي روعت في البناء، وكان الأمور تمت تحت مراقبة مهندسين معماريين رغم أنني أجزم بأن هذه الأرض لم تعرف ولم تستقبل يوما أي مهندس على الأقل في تلك الفترة التي بنيت فيها هذه المعلمة التاريخية التي تستحق كل أشكال المحافظة والترميم حتى لا ينالها التدمير والخراب كما لحق ببعض أجزاء هذه الواحة.

حيوانات مفترسة تقتلع أشجار مثمرة

المسجد يتوفر على مجموعة من المرافق التابعة له، كـ”المسيد” وهي قاعة لتدريس وتحفيظ القران ومبادئ الشريعة، قاعة الوضوء، وقاعة لغسل الموتى وقاعة للاجتماعات وقاعة للصلاة كما تمت الإشارة إلى ذلك. وهي تسع لحوالي 200 مصلي وهو ما يوضح ارتفاع عدد السكان كما روى لنا بعض المرافقين، إذ أن الواحة كانت أهلة بالسكان وكانت تضم أكثر من 500 نسمة في بداية القرن الماضي، وهو تأكد لنا بعد زيارتنا للمقبرة الجماعية الموجودة هناك، حيث أكثر من ألف نصب لتحديد القبور تحتوي عليهم هذه المقبرة. لتشهد الواحة بعد ذلك نزوحا جماعيا وبشكل مستمر إلى حدود الثمانينات حيث جلاء آخر من استوطنوا هذه الواحة في اتجاه دوار “تكريانت” ليتركوا الواحة وخيراتها ليعبث بها كل من هب ودب من حيوانات مفترسة اقتلعت بعض انواع الأشجار المثمرة التي تزخر بها الواحة، وأخرى أدمية قد تمتد أياديها إلى هذه المعالم التاريخية والحضارية التي نحن في أمس الحاجة إليها وتعتبر إرثا تاريخيا يجب المحافظة عليه، ناهيك عن مختلف أنواع الأمراض مثل البيوض التي بدأت تزحف وتفتك بالأشجار وبالخصوص شجر النخيل في صمت رهيب وبدون مقاومة وكأن الزمن توقف هنا.btrouch

فتح مسلك طرقي … حل استعجالي لا ينتظر التأخير

في انتظار أن تتحرك كل الجهات من مسؤولين ومنتخبين ومجتمع مدني ومتدخلين آخرين للحفاظ على الإرث الحضاري عبر إنجاز مجموعة من المشاريع الهادفة إلى إعادة تهيئة وتأهيل هذه الواحة وفك العزلة عنها من خلال فتح مسلك طرقي كحل استعجالي، علما بأن المنطقة تحتوي على ثروات منجمية ومعادن مهمة ما زالت تنتظر طريقها إلى الاستغلال الأمثل على غرار منجم “وانسمي” للذهب الذي يشتغل حاليا .

“تِـغِـيرْتْ نْـيُوزْ”: عن “نادي الصحافة والإعلام” بـ”سيدي إفني” للكاتب “الحسين جهادي” مع التعديل

مشاركة الخبر مع أصدقائك

أكتب تعليقك