مع بزوغ فجر الصيف كل سنة بأقاليم جهة سوس ماسة درعة وبأقاليم باب الصحراء، وقبل أن ينتهي موسم حصاد الشعير الذي به تـُعرف المنطقة، تـَحـُلّ بها أفواج هائلة وأسراب كثيرة من رؤوس الأغنام والمعز والإبل والحمير، لينتهي موسم الحصاد على إيقاع الرعي الجائر، يتسبب فيها ما يعرفون لدى سكان المنطقة بـ”أعـْرَابْنْ”، نسبا لانتمائهم لعرب الصحراء القادمين من الأقاليم والقبائل الصحراوية إلى منطقة سوس، إذ تعرف منطقة “سوس” منذ زمان بعيد بهذا النوع من النشاط “الرعوي” حيث يتعايش السوسيون الأمازيغ مع الرحل (الرعاة) العرب الذين كان مصدر رزقهم الوحيد يتجسد في تلك المواشي.
إعداد: سعيد الكَـرتاح – مشاهد –
“أرْضْ مـُولانـَا”
إن الرحل الذين كانوا بالأمس القريب يتنقلون من بلاد إلى آخر، ومن قرية إلى أخرى بحثا عن ما تجود به الأرض من ربيع وأعشاب وما تجود به السماء من أمطار وعيون مائية تسقي عطشهم وعطش ما يترحلون من أجله من غنم وإبل وحمير، تحولوا اليوم حسب روايات السكان من رحل البحث عن لقمة العيش إلى رحل الإسثتمار وإنشاء مؤسسات كبرى لإنتاج الغنم والإبل والماعز في الغابات “السوسية” وفوق الأراضي الزراعية من خلال الرعي الجائر بشكل مكشوف، يستهدفون به محاصيل الساكنة السوسية الزراعية برعيهم لأسراب من الأغنام والإبل في أملاكها الزراعية، إضافة إلى الفساد الذي يطال الزراعات كل موسم، يحدث هذا أمام تجاهل السلطات المحلية والمنتخبين، الذين يلوذون بالصمت تجاه ما يعاني منه المواطن “السوسي”، تحت ذريعة “هادي أرض مولانا”.
وبخصوص تحول الرحل من رعاة للكسب المعاشي إلى مستثمرين كبار، يلاحظ المتتبعون من سكان المنطقة كيف تقف بضع شاحنات من الحجم الكبير في مكان “غابوي” أحيانا وشبه غابوي أحيانا أخرى بعيدا عن الدواوير والمداشير بأمتار قد تصل إلى كيلو متر واحد أو ما يزيد عنه بقليل، ومعها تقف سيارات “لاندروفير” ذات الدفع الرباعي، وسيارات “كـَاتْ كـَاتْ” تبدو في شكلها ومن ترقيمها أنها في ملكية لرجالات نافذين، وذلك من أجل إفراغ الآلاف من المواشي استعدادا للرعي بالمنطقة، وهي العملية نفسها التي تتم خلال مغادرتها إلى مكان آخر، مع اقتراب موسم الحرث وحلول فصل الخريف، وهي المظاهر التي تنم عن الغنى الفاحش الذي يعيشه أصحاب هذه القوافل من المواشي، والتي لا يمكن أن تتوفر لدى الرحل الباحثين عن لقمة عيش، وإنما لدى رجال الأعمال الصحراويين ولدى أصحاب القرار والمنتخبين منهم حسب إفادات مصادر مطلعة.
لجنة إقليمية وقانون الترحال
نظرا لما تعرفه مناطق سوس ماسة درعة من اعتداءات متكررة من طرف الرحل على مزروعاتهم تحت ذريعة “أرض مولانا”، حلت لجنة إقليمية بإقليم “تزنيت” مكونة من ممثلي المصالح الخارجية لكل من المديرية الإقليمية للفلاحة ومندوبية المياه والغابات وكذا ممثلي السلطة المحلية والجماعة القروية لـ”بونعمان” إلى منطقة “بونعمان” بإقليم “تزنيت”، خلصت في محضر مشترك لها إلى ضرورة تنبيه الرعاة الابتعاد على أملاك الساكنة، ومنعهم من السقي في “الظفائر” الجماعية، وحثهم على عدم المكوث والاستقرار لمدة طويلة بالمنطقة، وذلك بعد وقوف اللجنة على حجم الأضرار الناجمة عن تواجد عدد كبير من قطعان المواشي بالمنطقة واستماعها لعدد من السكان المتضررين.
من جهتها، طالبت جمعية “إمزالن إدبنيران” بالجماعة القروية “تغيرت” بإقليم “سيدي إفني” في توصياتها عقب اليوم الدراسي المنظم السنة الماضية تحت شعار “تحديد الملك الغابوي والرعي الجائر بين المقاربة القانونية والمقاربة الحقوقية”، طالبت بضرورة إنصاف السكان المتضررين من التحديد الغابوي والرعي الجائر، وفتح قنوات التواصل بين الساكنة المحلية والإدارات المعنية، واعتماد المقاربة التشاركية في تدبير الملف. مع ضرورة التعجيل بإخراج قانون الترحال والرعي إلى الوجود، إضافة إلى دعم استقرار سكان الجبال والبوادي النائية وتوفير مصادر بديلة لحطب أركان، وإشراك ودعم جمعيات المجتمع المدني المهتمة، مع محاسبة ومحاكمة كل المتورطين من مسؤولي المياه والغابات والسلطات المحلية في عمليات نهب واستنزاف غابة أركان بالمنطقة إما بالسكوت أو التواطؤ مع المعتدين.
(الحلوف) … العناية الخاصة
إلى جانب الترحال الموسمي بالمنطقة، أضحى الخنزير البري (الحلوف) يتمتع بعناية خاصة تسهر عليها مصالح المياه و الغابات و محاربة التصحر حسب الساكنة السوسية في مختلف المناطق، تفوق في كثير من الأحيان حماية حقوق الساكنة الذين تستمر معاناتهم مع ما يخلفه هذا الحيوان من خسائر تهم بالخصوص إتلاف المزروعات و المغروسات التي تزداد حدتها في الواحات المنتشرة في المنطقة حسب ما عاينته جريدة “مشاهد” في عدد من المناطق بإقليمي “تزنيت”، و “سيدي إفني”. وعلى هذا الأساس، عقد يوم دراسي حول الموضوع السنة الماضية بـمنطقة “بويكرى” إقليم “اشتوكة أيت باها” من طرف جمعية “دارنغ للتنمية والمحافظة على البيئة” خلص إلى رفع عدة توصيات تهم بالأساس عمليات تحديد الأملاك الغابوية للدولة والدعوة إلى تفعيل مقتضيات قانون مساهمة السكان في تنمية الاقتصاد الغابوي، بالإضافة إلى المطالبة بالكشف عن وثائق وخرائط السجل الوطني للأملاك العقارية المنجزة في إطار ظهير 1962
وبخصوص الرعي الجائر، فقد تمت الدعوة إلى العمل على جبر الضرر الشخصي أو الجماعي للمتضررين، ومطالبة السلطات المحلية والأمنية بتحمل مسؤولياتها وممارسة اختصاصاتها القانونية في حماية المواطنين وممتلكاتهم. فيما يخص شجرة الأركان تم التأكيد من خلال اليوم الدراسي على أن المدخل الرئيسي والأساسي لحمايتها يتمثل في إعمال ديباجة ظهير 04/ 03 / 1925 قبل فصوله باعتبار تلك الديباجة هي الضابط الأساسي في تحديد غابات “أركان” تحت شرط قانوني صريح هو “حفظ وبقاء حقوق التصرف لمالكي تلك الأشجار مع التوفيق بين حقوق التصرف الثابتة لأصحابها وبين الحقوق العليا للدولة”، كما تمت المطالبة بوضع حد للأضرار المادية والمعنوية والبيئية الناجمة عن حماية الخنزير البري (الحلوف) بالمنطقة، والذي يهدد حياة المواطنين خاصة منهم الأطفال الصغار والنساء.
سوس … ملتقى النزاعات
أشارت “وزارة الفلاحة والصيد البحري”، إلى أن مجالات الرعي بالمناطق الجنوبية تنقسم إلى ثلاث مناطق، وهي ثلاث مجالات رئيسية، المجال الأول يضم كل من منطقتي العيون وبوجدور التي يمكن أن تمتد إلى الداخلة، فيما المجال الثاني يضم كل منطقتي كلميم والسمارة اللتين تعتبران منطقتين غنيتين رعويا، ويهم الأمر بالأساس قبيلتي “أيت أوسا” و”أيت ابراهيم”، فيما المجال الثالث والأكبر حسب الوزارة المعنية يضم كل من المنطقة الشمالية من سوس ماسة درعة بداية من مدينة “تزنيت” التي تمثل منطقة التماس التي تظهر فيها مجموعة من النزاعات خاصة مع الرحّل المنتمين إلى المجالين الأول والثاني.
وتقدر مساحة المراعي والأراضي غير المستغلة بالمنطقة الشمالية من سوس ماسة درعة حسب ذات المصدر بـ220.300 هكتار بـكل من “تارودانت”، و96.460 هكتار بـ”أيت باها”، و8.350 هكتار بـ”أيت ملول”، و66.050 هكتار بـ”إداوتنان”، فيما تقدر المساحات الغابوية هي الأخرى بـ 399.500 هكتار بـ”تارودانت”، و19.590 هكتار بـ”أيت باها”، فيما “أيت ملول” تقدر مساحاتها الغابوية بـ 13.250 هكتار، و148.000 هكتار بـ”إداوتنان”.
وتقدر عدد رؤوس المواشي التي ترعى بمنطقة سوس ماسة درعة حسب إحصائيات رسمية من وزارة الفلاحة والصيد البحري، والتي تم عرضها بمناسبة اليوم الدراسي حول الرعي المتنقل داخل مناطق شجرة الأركان، (تقدر) بـ1.935 من الأغنام و495 من الماعز بإقليم “سيدي إفني”، فيما إقليم “تزنيت” تقدر عدد الرؤوس التي ترعى به بـ 550 من الأغنام و2.350 من الماعز، و200 من الإبل، وحسب نفس المعطيات دائما تتصدر إقليم “اشتوكة أيت باها” القائمة من ناحية رؤوس الأغنام بـ 24.000، فيما تتصدر عمالة “أكادير” القائمة من ناحية رؤوس الماعز بـ 20.050، وكذا الإبل بـ 6.830 رأس، ويبلغ عدد رؤوس الأغنام بالإقليم 23.740، وتعتبر هذه المناطق بجهة سوس ماسة درعة مجالا تنزح إليه القطعان من المناطق الجنوبية، والمناطق التي تتزايد فيه المساحات المزروعة على حساب مجال الأركان، والتي تعرف كذلك نشوب نزاعات بين الساكنة المحلية وأصحاب قطعان الماشية حسب الوزارة.
رابط قصير: https://www.tighirtnews.com/?p=12








