الرئيسية » ثقافة وفن »

“أحواش إمجاط” … الموروث الثقافي بسوس في طريقه للانقراض

تعتبر رقصة أحواش “الدرست” من أهم التعابير الفنية التي ميزت وتميز قبيلة “إمجاط” ضواحي مدينة “تزنيت” منذ قديم الزمان، فالبرغم من كون المنطقة أنجبت بعض الفنانين في أصناف الفن الأمازيغي الأخرى (الروايس والمجموعات) كالرايس “عبلا أوتجاجت” وإبنه “سعيد أوتجاجت” والرايس “حماد بولعياظ” ومؤخرا مجموعة “إثران “إمجاض” الواعدة، إلا أن رقصة “أسايس” هي التي ظلت تلازم أفراح “المجاطيين” بمختلف قبائلهم (أيت كرمون، إدبنيران، أيت همان، أيت موسى، أيت علي نتاكوت، أيت علي لقبلت، أيت تجاجت…).

من إعداد: الحسن مماد: تــِغِـيرْتْ نْـيُــوزْ

تنضامت … المحاورات الشعرية

تتميز رقصة “أحواش إمجاط” بخفتها وسهولتها، ما يجعلها يسيرة التعلم، كما أنها لا تعتمد كثيرا على “تنضامت” في شكلها الذي يجعل شعراء “أسايس” يستغرقان في المحاورات الشعرية حد الملل أحيانا في بعض المناطق (طاطا ونواحي تارودانت). فالمحاورة لا تستغرق في الغالب سوى بضع دقائق لتنطلق الرقصة بترديد بيت شعري معين على إيقاع البنادر والطبل، تتبعها ما يعرف به “أحواش إمجاط” في المناطق المجاورة ألا وهي رقصة (عاود) التي تعتمد كذلك إيقاع البنادر والطبل إضافة إلى الناي (العواد) برئاسة مايستروا الرقصة (الرايس) يتبعه في حركاته بشكل فني متناسق وبإتقان باقي أعضاء المجموعة.

شروط أحواش

تؤدى رقصة “أحواش إمجاط” بشروطها المحددة في ثلاثي “الجلباب والعمامة البيضاوين، وبلغة صفراء وخنجر (لكميت)” غالبا ما يكون مصنوعا من القضة بخيط من الحرير. وتتاح فيها فرصة التعلم للشباب وصغار السن في احترام تام لغيرهم من خلال الرقص في الأطراف (طرفي الدرست)، ولا يسمح لهم أبدا باقتحام الرقصة من الوسط حفاظا على شروط جماليتها وتناسقها.

الجنس الناعم

ويتخذ الجنس الناعم مكانا له بالقرب من (الدرست) أو فوق سطوح المنازل وتقتصر مهمته في إطلاق الزغاريد (تغريط) من حين لآخر بغير تفريط و لا إفراط، ما يجعل شحنات الإقبال على الرقصة تزداد لتصبح أكثر إثارة وروعة لدى من يتذوق هذا الصنف من الفن. لست خبيرا و لا ناقدا فنيا كي أقارب هذه الرقصة من جوانبها المختلفة، غير أن كوني من متذوقيها زيادة على غيرتي على فنون منطقتي والفن الأمازيغي بشكل عام، جعلني أكتب هذه المقالة المتواضعة للوقوف عند ما آلت إليه هذه الرقصة “المجاطية” التاريخية في السنوات الأخيرة.

الصورة من الأرشيف

الصورة من الأرشيف

شعر مراهقاتية

منذ تسعينيات القرن الماضي وإلى حدود أوائل العقد الأخير دخلت عالم رقصة “أحواش إمجاط” أشياء غريبة عنها جعلت الكثير من روادها و محبيها يتحسرون عليها كلما تذكروا زمنها الجميل، فقد اقتحم ماء الحياة وأصناف مخدرات مختلفة رقصة “أيت إمجاط”،ولم يعد الشباب يحترم لباس الرقصة، فيتطفلون عليها بملابس غريبة عنها، وبتسريحات شعر مراهقاتية (من المراهقة إن صح التعبير) في غياب للعمامة البيضاء، كما يرفض أغلبهم من غير المدربين بعد، التواضع والالتحاق بطرفي الرقصة حتى يتسنى لهم التعلم السليم دون التأثير السلبي على أداء المجموعة.

أحواش  … وفاة الحسن الثاني

كل هذه الأشياء وأخرى جعلت العديد من محترفي هذه الرقصة يمسكون عن ارتياد أماكنها خصوصا مع إلغاء سهرات عيد العرش شبه الإجبارية بوفاة الملك الحسن الثاني. مع حلول منتصف العقد الأخير (2004 فما فوق)، الذي صادف تزويد أغلب دواوير “إمجاط” بالكهرباء والتي صاحبها انتشار تكنولوجيا الإعلام و الاتصال، اطلع “المجاطيون” على رقصات أحواش غيرهم وما صاحبها من تطور وتنظيم من خلال تأسيس جمعيات خاصة بهذا الإرث الفني الأمازيغي الكنز (خصوصا بمناطق “تمنارت” بـ”طاطا”،و”إداوكنسوس” بنواحي “تـافراوت” و”تالوين” بـ”تارودانت”)،فبادروا إلى تأسيس أول جمعية خاصة بهم (جمعية إمولا بأي تكرمون) تبعتها فرقة جمعية إمزالن إدبنيران 2005 والتي مثلت “أحواش إمجاط” بعدة مهرجانات (تفاوين تافراوت، الجمل بكلميم، أدرار بميرغت…) لتؤسس بعد ذلك جمعية “أحواش نجوم إمجاض” فـ”أحواش شباب إمجاض” و غيرها.

 خير سلف

تم إحياء الرقصة من جديد وعاد رواد الرقصة إلى أسايس شعراء و معلمي الناي و البندير (أمثال الأخوين أحمد والحسن إدبوست، وعبد الله أيت بيه، وأوحسي،والطاهر أوحمود، ومولاي الطيب و غيرهم) مع تطعيمهم بالعديد من الشباب ممن لهم رغبة في البقاء خير خلف لخير سلف،و أصبح أعضاء هذه الفرق يتقاضون تعويضات عن السهرات التي يحيونها سواء في الأعراس أو في المهرجانات، ما جعل الرقصة التي كان التلاميذ من أبناء المنطقة يفتخرون بالمشاركة بها في أنشطة مؤسساتهم التعليمية (بـ”إفران” و”بيزكارن” و”الاخصاص” و”أولاد جرار”) أثناء تنظيمها لاحتفالات عيد العرش في ثالث مارس من كل سنة زمن الحسن الثاني،تنتعش من جديد.

يتوقع اندثاره

إن وضعية “أحواش إمجاط” الحالية تجعل من كل غيور عليه يتوقع اندثاره خلال السنوات القليلة القادمة، هذا ما يجعل العمل على النهوض به و إعادة الاعتبار له مسؤولية الجميع و خصوصا الجمعيات الثقافية والفنية التي أتمنى أن تحسن تدبير خلافاتها مستقبلا. كما أن الأمل معقود كذلك على الفرقة التي أسسها طلبة المنطقة بجامعة ابن زهر بـ”أكادير” لإعادة الروح لهذه الرقصة التي بدأت تحتضر و لا نريد لها أن تندثر من المنطقة كما اندثرت منها كنوز أخرى كالفروسية المنقرضة منذ توقف حفلة  “النزاهت” بــ”إمجاض” أوائل الثمانينات.لم يستمر هذا الوضع كثيرا، فعلى مقاس مقولة إبن خلدون “إذا عربت خربت”، أمكن لي إسقاط مقولة ” إذا مولت خربت” على جمعيات “أحواش المجاطيين”. فقد أدت صراعات تافهة مرتبطة أساسا بالدريهمات القليلة التي تتعاقد بها هذه الجمعيات مع كل راغب في الاستمتاع بهذا الفن العريق،إضافة لأنانية البعض التي تجعله يظن نفسه “بوحدو مضوي البلاد” الى تشتت كل هذه الفرق الفنية لـ”أحواش إمجاط” (من جمعية إمولاي وصولا لجمعية نجوم إمجاض” المنشقة لنصفين مرورا بفرقة “إمزالن إدبنيران” التي لم يتبقى منها سوى لافتة و طبل وبعض البنادير تحمل شعار الجمعية.

مشاركة الخبر مع أصدقائك

أكتب تعليقك