تناولت عدة مواقع إلكترونية خبر دعوات فايسبوكة من طرف الشباب “المجاطي” للتظاهر بمركز جماعة “تيغرت” إقليم “سيدي إفني” تزامنا مع عيد الأضحى لهذه السنة (2013) وذلك احتجاجا على ما أسموه تهميشا للمنطقة في مختلف المجالات وكذا لإلحاقها بـإقليم “سيدي إفني” ضدا على إرادة المواطنين وكذا تنافيا مع مبدأ تقريب الإرادة من المواطنين.
عمليا يرجع تاريخ الاحتجاج على الإدارة بـ”إمجاض” إلى أوائل الستينيات من القرن الماضي عندما توترت علاقتهم بالقائد “عبد الله البعمراني” بسبب الزكاة التي كانوا يقدمونها لزاوية “سيدي حماد أموسى بمنطقة تزروالت” ما يسمى بـ “العشور” حيث طالبهم بمنحها له. وفي أحد أيام السوق الأسبوعي لـ”جمعة تيغرت” أراد توبيخ عدد من “المجاطيين” بسبب مرورهم وسط الطرق بدوابهم أثناء ذهابهم ومجيئهم من و إلى مركز السوق “الأسبوعي” مما يسبب في تخريب هذه الطرق التي كانوا يبنونها بالحجارة والتراب، وأثناء حديثه باللغة العربية التي كان يريد أن يتباهى بها على قوم لم يكونوا ليفهموا فيها حرفا واحدا نطق كلمة “أيضا”، والتي لم تكن تعني عند المواطن الأمازيغي سوى “أيها الكلاب”، بالإضافة لصفعه رجلا من قبيلة “أيت موسى”، كل ذلك كان كافيا ليهب جميع من في السوق ليتم إمطار البناية التي كان القائد متواجدا بها بالحجارة، وسهل مأموريتهم في ذلك تواجدها تحت سفح جبل يطل على مركز “تيغرت”.
وتقول بعض روايات من كانوا شاهدين على الواقعة أن السيد القائد لم يكن ليحتمي سوى تحت مائدة حتى أعطاه أحد شيوخ القبيلة سلهامه ليتخفى فيه وينسل بين السكان ليغادر لمركز القيادة الذي كان متواجدا آنذاك بمركز “إفران الأطلس الصغير”. وبعد زيارة عامل “أكادير” في ذاك الوقت “السيد الصفريوي” لـ”إمجاض” بطائرة “هيليوبتيرتم” تغيير القائد وجرت اعتقالات في صفوف “المجاطيين” ليقضي العديد منهم ( حوالي 41 رجلا) شهورا بسجن “إنزكان” ثم بعد ذلك الصويرة.
هذه الواقعة بالرغم من أنها تبدو ظاهريا عادية إلا أنها كرست خوفا كبيرا في نفوس المواطنين نظرا للتعذيب الذي لحق المعتقلين منهم بالسجن، كما أن رجال السلطة الذين يلتحقون بقيادة “تيغرت” لغاية اليوم يخبرون بها من طرف الشيوخ والمقدمين وغيرهم ليأخذوا حذرهم، وهنا أتذكر أنه في سنة 2007 وعندما أردنا في إطار جمعية تنظيم ندوة حول موضوع “تحديد الملك الغابوي وسياسة نزع أكـَالْ”، انتفض ضدنا قائد “تيغيرت” ورئيس دائرة “الاخصاص” مرة بالتهديد ومرة بالحيلة لثنينا على عدم تنظيم تلك الندوة، وأتذكر ما قاله لي قائد قيادة “تيغيرت” بذريعة كون الناس في “إمجاض”، أميون وعندما سيشرح لهم الأساتذة والمحامون هذا المشكل سيهاجمون من جديد مقر القيادة. وتجلى لي أثر الخوف في نفوس سكان “إمجاض” كذلك في ذلك اللقاء، فبمجرد ذكر أحد الأساتذة المحاضرين كلمة “المخزن” واتهامه بنزع أراضي المواطنين بذريعة حماية الملك الغابوي، هب الكثير منهم بمغادرة قاعة الندوة (رغم أهميتها بالنسبة لهم) لخوفهم من تبعات تلك الكلمة الشبح.
لم أسمع منذ ذاك الوقت أي دعوة للاحتجاج بالمنطقة، فبالرغم من التهميش والظروف الجبلية القاسية بالإضافة لسياسات نزع الأراضي وتفريخ الخنزير البري وغياب متطلبات العيش الكريم بالشكل المطلوب، ( الماء الصالح للشرب، كهرباء، مستشفيات، مؤسسات تعليمية، الإلحاق بإقليم سيدي إفني …) ظل “المجاطيون” محترسين وخائفين من تبعات فتح مواجهة مع السلطة ومن هم يشرفون على تسيير شؤونهم. ولم تظهر بوادر الاحتجاج ورفض الواقع المعيشي إلا أثناء الحراك الذي عرفه المغرب بظهور حركة 20 فبراير، والتي أحدث العشرات من الشباب المثقف والواعي سكرتيرية لها بـ”إمجاض” سنة 2011. بعدها كانت هناك وقفات كسرت حاجز الخوف خصوصا مع احتدام الصراع بين السكان وجحافل الرحل التي استباحت حقولهم وممتلكاتهم، وكذا أثناء المطالبة بإحداث ثانوية تأهيلية مستقلة بمركز جماعة “تيغرت” ليتوقف الاحتجاج والدعوة إليه، لتعود من جديد هذه الأيام بمطلب قديم جديد هو المطالبة بعودة “إمجاض” لعمالتهم الأصلية.
واقعيا، لا ينفصل واقع “إمجاض” عن واقع المغرب بشكل عام، فأي دارس له يتوقع خروج المغاربة عن بكرة أبيهم غدا للتظاهر والمطالبة بتحسين الأوضاع وتجويد الخدمات وإسقاط الفساد و المفسدين … غير أن ذلك لم يكن ليقع أبدا ولا تتجاوز أكبر التظاهرات حتى بالمدن الكبرى بضع المئات من المتظاهرين. نفس الشيء يمكن قوله على “إمجاض”، فبالرغم من التهميش الذي تعانيه المنطقة في مجالات الصحة والتعليم ومختلف البنيات التحتية كالطرق والماء الصالح للشرب، إضافة إلى تواطؤ السلطة مع رحل الصحراء الذين يستبيحون أملاك السكان كل سنة، زد على ذلك المصالح الإدارية التي يضطر من أجل قضائها “المجاطي” للمرور على عمالة تيزنيت الأصلية إلى عمالة سيدي إفني المحدثة، إلا أن هاجس الخوف من المخزن وسلطته اختلط بدماء السكان مما جعلهم يرضخون لهذه الظروف الصعبة ويعكفون عن شيء اسمه الاحتجاج من أجل نيل الحقوق التي تؤخذ ولا تعطى كما يقال، باستثناء طبعا بعض الشباب المتحمس من طلبة الجامعات وبعض مناضلي الجمعيات الثقافية والحقوقية الذين ينظمون وقفات احتجاجية من حين لآخر.
و بالعودة لدعوات فايسبوكيين وفايسبوكيات “إمجاض” للمطالبة بإرجاع جماعات إمجاض الخمس لحظيرة عمالتهم الأصلية (تيزنيت) من خلال الخروج في مسيرات خلال أيام عيد الأضحى التي تتزامن مع عودة أبناء المنطقة من طلبة وعاملين بمختلف المدن المغربية وكذا بعض المهاجرين بالخارج أدلي بهذه الملاحظات:
- إن الاحتجاجات المناسباتية لا ولن تحقق شيئا، وهي ذات صبغة احتفالية أكثر مما هي تظاهرات مطالب.
- إن الرهان في الاحتجاج يجب أن يكون أكثر على قاطني المنطقة الذين يعيشون ظروف التهميش والإقصاء كل يوم وليس على من يأتي لقضاء عطلته بها.
- ضرورة التنسيق بين الشباب ومختلف الجمعيات المدنية والمنظمات الحقوقية بالمنطقة وكذا مع منتخبيها لبلورة ملف مطلبي شامل و متكامل يتم الترافع بشأنه لدى مختلف المصالح محليا وجهويا ووطنيا.
- تأطير السكان من خلال عقد لقاءات تواصلية معهم بالجماعات الخمس لضمان مشاركتهم في مختلف المحطات النضالية التي يتطلبها تحقيق مطالبهم المشروعة وتشجيعهم على كسر هاجس الخوف والقطع مع التملق والتزلف للفاسدين مهما بلغت سلطتهم و علا شأنهم.
- التنسيق مع شباب المناطق المجاورة ( أيت الرخا، الاخصاص) فيما يخص المطالب المشتركة، فنحن وإياهم مثلا في هم مهزلة إلحاقنا بـ”سيدي إفني” سواء.
- إحداث سكرتارية “إمجاض” على غرار مثيلتها بـ”أيت بعمران” سيدي إفني لتكون العمود الفقري للمسيرات والوقفات الاحتجاجية في حالة غياب أي تجاوب للإدارة مع المطالب المشروعة للساكنة.
- إشراك مختلف الأطر من غير أبناء المنطقة (أساتذة، ممرضون، موضفي الجماعات المحلية….) الذين يشتغلون بها والذين يقاسون ما تقاسيه الساكنة الأصلية دون أن يتلقوا تعويضا عن العمل بهذه المنطقة من المناطق النائية للمغرب غير النافع.
- دعوة المنتخبين لتحمل مسؤولياتهم تجاه من انتخبوهم بصفتهم ممثلي السكان الذين افرزتهم صناديق الاقتراع وليسوا منتدبين للإدارة والسلطة لينفذوا أوامرها.
- العمل في المدى القصير والمتوسط على إيصال من هم أولى وأقدر على تحمل مسؤولية الدفاع عن مصالح “المجاطيين” لمراكز القرار محليا وجهويا ووطنيا، وليس خونة مستعدون للتضحية بمصالح المنطقة وساكنتها من أجل بقعة أرضية هنا وهناك.
لقد ارتفع سقف تحقيق الحقوق ونيل المطالب، ولا أظن أنه بمجرد وقفة هنا وهناك سيتم التجاوب معها من طرف الإدارة، والنماذج واضحة لكل ذي عين في مناطق أخرى تعاني ما يعانيه “أيت إمجاض” وأكثر (إميضر، تاركيست…) لذا أرى أنه لابد من بلورة ملف مطلبي موضوعي ومتكامل يرافع من أجله الجميع بطرق مختلفة يشكل الاحتجاج السلمي المتواصل وليس المناسباتي عمودها الفقري، وما ضاع حق وراءه طالب. وإلى ذاك الحين عيدكم مبارك سعيد و كل عام و أنتم بخير.
رابط قصير: http://www.tighirtnews.com/?p=568