أما آن الأوان بعد لينتقل أبناء تمازيرت إلى الحديث عن المشاكل الحقيقية لبلداتهم وقراهم بدل تنظيم دوريات وبطولات مثيرة للشفقة في لعبة كرة القدم؟ وحفلات مقرفة ممسوخة تدعي إحياء التراث؟.
أما آن للجمعيات الهجينة أن تنظم لقاءات نقاش وتحسيس للجالية المقيمة بالداخل والخارج بخطورة الظواهر الاجتماعية القائمة من قبيل فراغ الدواوير من الساكنة وانتشار البناء العشوائي في الدواوير (ليس البرارك بالضرورة فمعظم المنازل الاسمنتية التي تبدو عصرية لا تعدو أن تكون بنايات عشوائية وسنعود لشرح ذلك) ومن قبيل تدهور الأراضي الزراعية وخراب المدرجات الفلاحية وانقراض أكناري وموت أشجار اللوز والخروب والنخيل وأرگان؟.
ألم يئن الأوان للنخب الفاشلة من منتخبين ومسؤولين أن يستفيقوا ويتكلموا عن أزمة العطش التي تنتظر “تمازيرت” في صيف جاف وخريف طويل ؟
أليس هناك رجل رشيد يدق ناقوس الأخطار المحدقة ؟
أم أن الجميع إما مخمور سكران باللهو والمجون والرقص والطرب؟ أو مفتون باللهط والالتهام والنهم والفساد الأخلاقي والمالي؟ أو مغلوب مدلول غريق في الصمت كشيطان أخرس متورط في اللعبة حتى أدنيه؟.
يُختطف الأطفال بالجملة من دواويرهم التي كانت آمنة لوقت قريب، والجميع ملهي بلعبة أطفال أصبحت سنة مؤكدة لدى الكبار والصغار ولا يفوت افتتاحها رؤساء كراكيز انتخبهم السكان المغلوبون بتواطؤ كبار المسؤولين في غفلة عامة من الجميع !
أما آن الأوان أن يستيقظ الناس وتصحو ضمائرهم تجاه تاريخهم وجذورهم و أراضيهم ومستقبل نسلهم وثقافتهم التي تموت بين أيديهم دون التفاتة أو ذرة اهتمام؟ .
أصبحت الدواوير فارغة إلا من بعض المسنين المغلوبين على أمرهم، إلى أجل مسمى لن يتعدى بضع سنوات متروكين لأقدارهم ينتظرون رحمة الموت ليهربوا من جفاء الأبناء والأقارب العقارب !
أما البناء العشوائي فأصبح السمة الأبرز في كل الدواوير بدون استثناء، منازل ضخمة بشعة احتلت كل مكان ليس المقصود منها السكن، بل الرياء والكبرياء وإبراز الغنى والثروة على البؤساء الأقل حظا في الحياة.
مبانٍ فارعة الطول ممتدة الأرجاء تكفي لإسكان كل سكان الدوار، شيدت بملايين الدراهم ولن يسكنها إلا الحمام والأشباح أو “خماسون” يتم استقطابهم من قرى بعيدة لتربية الماعز والدجاج في قصور مكتملة الأركان.
وفي كل منزل من هذه المنازل التي لن يسكنها أصحابها ولو ليوم واحد مما تبقى من حيواتهم آبار عميقة بمئات الأمتار بدون رخص إلا بعض الرشاوى لمن تدفع الدولة لهم أجوراً سمينة للمحافظة على المياه والنظام العام، هذه الآبار العميقة تمتص المياه النادرة من أعماق سحيقة وتستنزف الفرشة المائية وتتسبب في جفاف الآبار القديمة والعيون التي يعتمد عليها البقية الباقية الفقيرة من السكان الأقل ترفا وحظاً! لماذا لمليء مسابح لن يسبح فيها أحد ولسقي أشجار لن ينتفع منها بشر أو حيوان.
وعلى عكس البنايات القديمة من الحجر والطين لا تحترم هذه المنازل التي تتفرخ أكثر من الذبابة القرمزية أي معايير تذكر، لا قيمة لها إلا سد فراغ النقص والحرمان لدى أصحابها “البربر” الذين استنزفوا شبابهم وزهرة حياتهم في جمع المال لورثة سينفقونه بأكثر الطرق إسرافاً وشدوداً !
بعد بضع سنوات سيحصل لأشجار اللوز والنخيل والخروب وبعدها أرگان ما جرى الصبار !
من منا لا يذكر أشجار أكناري التي كانت تغطي الدواوير وهي ملأى بالثمار الحمراء التي نريدها الناس وهجروها كأنها بلا قيمة؟.
من منا لا يذكر عندما بدأت جمعيات الدواوير في تخطيط مشاريع بئيسة لاقتلاع هذه الأشجار بدعوى أنها مخابئ للحشرات و الأفاعي و دعوى أنها تفسد المنظر العام الدواوير !
أين هو أكناري اليوم؟
وهل تعتقدون أن من جادت قريحتهم لجلب الحشرة القرمزية لن تجود قريحته لجلب أنواع من الأوبئة للقضاء على أرگان ؟
أما اللوز والخروب والنخيل فلا حاجة لأي وباء … فهو في الطريق للانقراض بسبب الهجر وعدم الرعاية والاهتمام !
أكملوا دورياتكم و بطولاتكم وتفننوا في إتقان اللعبة وتشييد الملاعب المعشوشبة وإدخال آخر التقنيات في التنظيم والنقل المباشر والڤار…
أكملوا مهرجاناتكم وحفلاتكم المثيرة للاشمئزاز وسارعوا بالعودة لمدنكم فهده الأرض تكاد تلفظكم من شدة ريائكم ونفاقكم وانفصالكم عن الواقع الذي يعيشه من تتركونهم هنا لأقدارهم القذرة !
سارعوا بالعودة لأعمالكم و اضربوا لتامازيرت موعداً في العيد القادم، لكن لا تنسوا أن التقطوا الصور للأشجار التي زرعها أباؤكم وأجدادكم فهي غالبا ستكون آخر مرة ترونها..
التقطوا الصور لجداتكم وأجدادكم وأمهاتكم وأباءكم وعماتكم وأخوالكم وأقاربكم وجيرانكم لأنكم غالباً لن تجدوهم في العام القادم…
ولا تنسوا أن تأخذوا معكم بعض الماء من الآبار في قنينات وحافظوا عليها جيداً فإدا كتب لكم العودة في العيد القادم ستتذكرون أن الماء الذي سقيتم به ملاعب الكرة ربما كان آخر قطرات من الماء الذي عاش به أجدادكم وأباؤكم لقرون من الزمن حتى جلبوكم للحياة … وليتهم لم يجلبوكم !
و لا تنسوا أن التقطوا الصور للمدارس ففي مثل يومكم هذا ستجدونها أقفلت أبوابها لأن الدواوير ستخلوا من الأطفال بدون أدنى شكوك !
و لتقطوا صوراً مع رؤساء جماعاتكم أمام مقراتها ففي القادم من الأعوام لن تكون هناك هذه الجماعات ولا رؤساؤها .. فبعد الإحصاء القادم سيتبين لهم أن لا فائدة من صرف الملايين على بضعة سكان بالعشرات في رقع جغرافية شاسعة.
و نتمنى لكم في الأخير أن تكونوا قد حققتم كل أهدافكم النبيلة وصنعتم أبطالا سيمثلون قراكم في أكبر الدوريات العالمية !
وأن تكونوا قد صنعتم فنانين بارزين لحمل شعلة الفن الممسوخ وصدرتم صورة بئيسة عن ثقافتكم المزركشة الهجينة .
وآخر دعوانا أن يكون هذا آخر عام لنا بينكم، والحمد للعقل السليم .