تغيرت نيوز
قطيع من الإبل والنواق يسير على طريق معبدة تخترق مجال تحالف “إمجاض نْتزلمي” في اتجاه إلى سهل تازروالت، بعد هطول تساقطات مهمة في المنطقة قبل أسابيع، وظهور بعضاً من النباتات والأعشاب من النفس الأخير في فصل الربيع، ها هي جحافل القطعان من مختلف أصناف المواشي إبل، غنم وماعز، تغزو مناطق جزولة وسوس قادمة من الصحراء. لتجهز مرة أخرى على ممتلكات الناس وحقولهم وأشجارهم وبساتينهم، وبسبب هذا النمط الرعوي الترحالي الجائر انقرض أرگان بشكل نهائي في المنطقة.
فما أن استبشر سكان جزولة وأيت باعمران وسوس خيراً من هذه التساقطات لكي تنعم ماشيتهم بقليل من الأعشاب والربيع حتى عاد الرحل مجدداً للقضاء على الأخضر بعد أن أكلوا اليابس قبل شهور، فزادت أزمة الجفاف والعطش على أزمة وتعسف الرعاة الرحل، فبقيت الساكنة المحلية من مبتدأ الاطلس الصغير في ناحية أيت باعمران إلى إيحاحان وتاليوين تتكبد كل العناء والمآسي وتواجه تعسف وجور هؤلاء الرحل الرعاة الذين يمارسون العنف والاستفزاز على الساكنة المحلية وعلى القبائل والمجموعات البشرية التي لا تزال تكابد التهميش والفقر في البوادي والسفوح وفي أعلى قمم الجبال.
قبل الخوض في مصير قانون المراعي الذي طرحته وزارة الفلاحة في عهد “أخنوش” الذي اثبت الواقع الملموس أنه قانون فاشل ومحدود جداً، وقد نبهنا كثيرا أثناء مناقشة القانون في البرلمان إلى خطورة أهدافه وعدم ضبطه للموضوع المعقد والشائك، وقلنا في حينه، أنه قانون يهدف في نهاية المطاف إلى تعزيز انتزاع ملكية الأراضي والمراعي من القبائل والمجموعات والساكنة تحت شعار تدبير المراعي الغابوية وتنظيمها، ثم إلى حماية الرحل والرعاة وضمان وقوننة تجاوزاتهم على ممتلكات الساكنة تحت ذريعة تزويد السوق باللحوم.
إذن قبل الخوض في ثنايا قانون 113/ 13 الذي قلنا فيه الكثير أثناء مرحلة المناقشة، وللأسف المناطق التي تضررت من هذا القانون وبشكل كبير جدا في جزولة وسوس هي المناطق التي حصل فيها حزب “أخنوش” الذي اقترح القانون ودعمه على أغلبية الأصوات والمقاعد، وبذلك تظهر بجلاء خدعة السياسة، لكن للأسف تخدع فقط الأمازيغ دون غيرهم. ومن هذا المنطلق، نود طرح هذه الأسئلة :
مَن يملك هذه القطعان الكثيرة العدد من الإبل؟
كيف لهؤلاء أن يملكوا ويكسبوا كل هذه الأعداد الضخمة من الإبل والأغنام؟
نريد من الدولة أن تكشف للمجتمع الأسماء الحقيقية لملاك هذه الاعداد الكثيفة جداً من المواشي؟ ليعرف الجميع هويتهم الحقيقية، هل هم كسابون؟ هل هم رحل فعلاً أم مستقرون؟ هل يملكون حقاً خيام من الصوف أو فيلات من رخام؟ هل يزاولون أنشطة اقتصادية أخرى؟ هل هم موظفون في الدولة؟ أم هم مسؤولون إداريون في مختلف أجهزة الدولة والادارة؟.
لا نريد شيئا من الدولة، فقط نريد معرفة مَن هؤلاء الملاك الحقيقيون لهذه القطعان الضخمة التي تزحف على كل شيء. نريد معرفة أين يستمد هؤلاء الملاك الحقيقيون الذين لا يظهرون في الواجهة، كل هذه الجرأة والقوة والسلطة … الذين يدفعون برعاة مياومون لارتكاب تجاوزات وممارسة شطط وعنف وجور على الساكنة.
لأننا نعرف رحل رعاة أمازيغ ينتمون إلى الجنوب الشرقي، محترمون جداً، يعاملون الساكنة بوقر واحترام ويلقون نفس التقدير والاحترام من لدنهم، يحترمون قوانين وأعراف “تَايْسًّا” ولا يجهزون على ممتلكات الغير، لأنهم فعلا رعاة ورحل، يمارسون الرعي والترحال كثقافة ومنظومة حضارية منتقلة ومؤطرة بالقوانين وحاملة للقيم. ولا يمتلكون الإبل لأنها باهضة الثمن ولا تتلائم مع طبيعة المناخ ومراعي سفوح الأطلس الكبير الشرقي.
فلا يمكن لكساب يعيش على الترحال أن يملك ألف رأس من الأبل، فهذا استثمار جد ضخم يحتاج إلى ملايير الدراهم، إذن هؤلاء مستثمرون وليسوا رعاة ورحل، نحن لسنا أغبياء، وعلى الحكومة أن لا تمارس الغباء على الناس، وعلى ساكنة سوس وجزولة، ونقولها بصراحة، على الحكومة أن لا تمارس الغباء على الامازيغ، إن كان لها مخطط سري لاستهداف أراضي الأمازيغ في سوس وجزولة والأطلس الصغير من إفني إلى صاغرو، فعليها أن تقول ذلك بصراحة وتخرج للعلن.
إن هذه المنطقة التي نسميها جزولة وسوس والتي تضم من تخوم وادنون وإفني وباني (أي طاطا) إلى صاغرو مرورا بسهل سوس والـأطلس الصغير وتارودانت وتازناخت وسيروا ووارزازت وتشمل حتى سفوح الأطلس الكبير الأوسط والغربي، ايداوتنان ايحاحان، وهذا المجال الجغرافي والاجتماعي الواسع هو الذي كان يضم أحلاف سياسية أمازيغية كبرى منها خلف جزولة الذي خرجت منه أغلب الدول والإمارات السياسية الأمازيغية، أهمها المرابطون والموحدون والسعديون والسملاليون، إذن فهي منطقة غنية وقوية ذات عصبية وشوكة، وهي المنطقة التي تعتبر أكثر وعاء للأمازيغ وأكثر منطقة لا تزال تستعمل فيها اللغة الأمازيغية كلغة اليومي والتخاطب الشعبي، وهي المنطقة التي تعج بأشجار متمرة وغنية أشهرها شجرة أرگان المستهدفة من طرف رعاة الإبل، وهي المنطقة التي تزخر بكل أنواع المعادن وتتواجد بها أنفس المناجم وأجودها، ذهب، فضة، الكوبالت، النحاس… وهي المناطق التي ينتمي إليها زعماء سياسيون بدون جدوى العثماني، أخنوش، وهبي، لشگر، ساجد، اثنان منهم تولوا رئاسة الحكومة، لكنهما لم يستطيعا فعل أي شيء أمام ظاهرة الرحل رعاة الإبل الذين يهددون الاستقرار والسلم الاجتماعي في بوادي سوس … بل أحدهم أخرج لهم قانون لحمايتهم وضمان مصالحهم.
السلطة تقوم بدورها على المستوى المحلي، لكنه يبقى غير كاف أمام تفشي الظاهرة وكثرة عدد القطعان خاصة الإبل.
في الأمس كانت إمارة تازروالت تستقبل وتودع قافلة متكونة من آلاف الإبل محملة بالذهب والتبر والكتان إلى السودان وموگادور، حين كانت تازروالت مزدهرة بالتجارة والجاه والنخوة والمعرفة، اليوم يسلط عليها قطعان من آلاف الإبل لأكل رحيق أزهارها والإجهاز على نباتاتها وأعشابها واتلاف تمار أشجارها، بين الأمس واليوم، حكاية تاريخ متخم بالجراح، تاريخ ينزف بآلام الذاكرة وهوية مسلوبة…
رابط قصير: http://www.tighirtnews.com/?p=45227