تغيرت نيوز
راسل منتجو البطيخ الأحمر بطاطا و زاكورة جهات مسؤولة مختلفة خلال الأسبوع الماضي، منها مؤسسات تدبيرية وطنية ومحلية، و هيئات حزبية. ففي طاطا ببلاد باني قدمت مذكرتان مطلبيتان لكل من عمالة الإقليم والمديرية الإقليمية للفلاحة مؤرختان بـ06 أبريل 2020، وكان موضوعهما المشترك “منتجو البطيخ الأحمر والأصفر في إقليم طاطا في مواجهة أزمة اقتصادية كارثية ويطالبون بتدخل الوزارة والجهات المختصة”. وفي زاكورة بدرعة الوسطى كان نفس الموضوع مضمون طلببين موجهين من المنظمة الديمقراطية للشغل إلى وزير الداخلية من جهة وإلى الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة من جهة ثانية، وموقعان بتاريخ 7 أبريل 2020.
رغم أن الأمر يتعلق بإقليمين، فلا اختلاف يذكر بين المذكرات المطلبية هذه، لغة، وأسلوبا، ومضمونا، وترتيبا، إنها متماثلة كتماثل الإقليمين في بيئتهما وفي ما يعانيانه بسبب الزراعات الجديدة. ومن جملة المطالب التي تضمنتها ما يأتي:
- مد يد العون لهذه الفئة الكبيرة (الفلاحون) والمهددة بالتشرد وبالسجن بسبب احتمال عدم وفائها بديونها. والأخذ بعين الاعتبار الكمية الكبيرة التي ستنضج من البطيخ قبل 10 أبريل 2020.
- مساندة هذه المجموعة لخلق تعاونية لمنتجي البطيخ الأحمر في أقرب الآجال.
- تدخل الدولة المباشر لحماية التسويق من السماسرة بين المنتج و المستهلك، واقتناء المنتوج من طرف الدولة وتسويقه والاستفادة منه لصالح الشعب.
- دعم الفلاحين ومساعدتهم للتغلب على الديون المتراكمة منذ سنوات وذلك لاستمرارهم في العمل والكفاح.
- إرجاع المبالغ المالية التي تم دفعها كضريبة على القيمة المضافة على البذور والأسمدة خلال السنة الجارية.
يمكننا إبداء ست ملاحظات حول هذه المذكرات و هذه المطالب و هذا التطور الجديد:
أولا: تزامن المطالب القادمة من طاطا وتلك القادمة من زاكورة وتشابهها في كل عناصرها دليل يؤكد التنسيق المسبق بين الجهات التي صدرت عنها، إن لم يكن المصدر في حقيقته واحد رغم أن الأمر يتعلق بإقليمين.
ثانيا: توجيه هذه المذكرات باسم فلاحي طاطا وزاكورة، أي الانتساب إلى الإقليمين، هو محظ تمويه، وحامل لرسائل، كما يخفي أهدافا يمكن إدراك بعضها، بينما سيكشف الزمن البعيد منها عن الإدراك، علما أن أغلب المستثمرين في هذا النوع من الزراعات معلومة الجهات التي قدموا منها صوب باني ودرعة.
ثالثا: تغليف المطالب بالظرفية الصعبة التي يمر منها المغرب بسبب جائحة كورونا (كوفيد 19)، فيه ابتزاز مفضوح من المستثمرين للدولة ولمؤسساتها، وفاضح لجشعهم المتنامي بلا حدود، والواقع يؤكد أن عملية الشحن وتسويق هذا المنتوج مرت ولا زالت في ظروف كانت مألوفة نسبيا.
رابعا: المطالبة بخلق تعاونية لمزارعي البطيخ الأحمر والاستناد إلى ذراع نقابي لتبنى هذه المطالب، مؤشر على البحث عن غطاء لمحاصرة أي رد فعل يمكن أن يحدث بجدار قانوني، ووسيط يدعم الطموحات غير المعلنة لهذه الفئة في هذه المناطق.
خامسا: ما ورد في المذكرات هو محاولة ذكية لاستغلال المواقف التي سبق لوزير الفلاحة التعبير عنها بخصوص هذه الزراعة و الذي طبعا يخدم مصلحة منتجي الدلاح، وللإفادة لا بأس أن نذكر بالموقف المعلوم للوزير أخنوش، إذ اعتبر زراعة البطيخ الأحمر في هذه المناطق قيمة مضافة يجب دعمها، وأنها لا تأثير لها على الفرشة المائية مقارنة بزراعة النخيل والحناء والفصة الأكثر استهلاكا للمياه، زيادة على دعوته لدعم المقاولات بعد أزمة كورونا.
سادسا: تفصح هذه المذكرات المطلبية عن أنانية مفرطة تقدر المصلحة الفردية و لا تأبه للمصلحة العامة و لمأساة المزارعين الصغار و الفقراء المستقرين، وبعد كبير عن الوطنية رغم محاولة إقحام بعض العبارات المغلفة بالطابع الانساني و الوطني مثل مصلحة الشعب و تسويق الدولة للمنتوج و الكفاح.
إن السياق مناسب للفصح عن حقيقة الواقع المعيش بقرى و واحات درعة و باني بسبب تهافت مزارعي البطيخ الأحمر، استنادا إلى نماذج من إقليم طاطا، والذي يتميز عموما بما يلي:
- التوسع المذهل لزراعة البطيخ الأحمر مقارنة بالمواسم الفلاحية الماضية (1600 هكتار في إقليم طاطا و4000 هكتار في إقليم زاكورة حسب المعطيات الإحصائية التي تضمنتها المذكرات المشار إليها أعلاه بخصوص المساحة المستغلة).
- مزاحمة مزارع البطيخ الأحمر للتجمعات السكانية في تحد لمشاعر المستقرين.
- تسرب غاز البوتان الملوث لأجواء هذه القرى، بحكم استعمال أغلب الضيعات لقنينات الغاز الطبيعي كمصدر للطاقة.
- الأصوات المزعجة لآلات ضخ المياه التي تشتغل ليل نهار دون توقف و تقض مضجع السكان.
- الاستنزاف المستمر وغير المعقلن للثروة المائية، ومن النتائج العكسية لذلك طبعا التراجع المهول للفرشة المائية و بداية تضرر المزارعين الصغار.
- تجدد النزاعات العقارية، والترامي على الأراضي، علما أن محترفي هذه الظاهرة يستغلون الآن ظروف الحجر الصحي المفروضة قانونيا بسبب جائحة كورونا للترامي على ما تبقى من الأراضي الجماعية ببعض هذه القرى.
بين واقع الفلاحين المنتجين للبطيخ الأحمر وطموحاتهم، وواقع فقراء قرى طاطا وزاكورة و تطلعاتهم، بون شاسع، إنها مفارقة عجيبة تعيد إلى الذاكرة ما حصل في الحقبة الاستعمارية، فبالأليات و الحيل نفسها سيطر المعمرون الفرنسيون على الأراضي واستبعدوا منها المالكين الأصليين من الفلاحين المغاربة، وبنفس الطرق عملوا تمويل زراعاتهم التسويقية الجديدة وحوربت المزروعات المعيشية، وبذات الوسائل تم استغلال الأرض واليد العاملة بأبخس الأجور. نحن أمام شكل استعماري جديد لكن عنصره داخلي و يتسلل بمساعدة أيادي محلية تلخص حصول أزمة ضمير حادة للأسف الشديد كما فعل العملاء من قبل.
إن ما يحصل بإقليم طاطا وحصل قبل ذلك بإقليم زاكورة سنويا هو زيادة في الذهاب بعيدا عن المفهوم الحقيقي للتنمية و منطقها المستدام. فما القيمة المضافة لزراعة البطيخ في مناطق الواحات بإقليم طاطا التي غزت على سبيل المثال جماعات، أيت وابلي، وتزونين، وفم الحصن وأديس ، ثم تمنارت؟ أي تنمية تلك التي لا تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات البنيات الاجتماعية؟ أي تنمية إن كانت ستعمق الخلافات الداخلية و النزاعات القبلية و تحدث تفككا في مجتمعات قروية صغرى؟ أي مغرب أخضر إذا كانت المساحات المزروعة بالبطيخ الأحمر دائمة الخضرة لأربعة أشهر فقط و تتحول إلى صحراء جرداء لثمانية أشهر؟ أي استثمار زراعي إذا كان سيخلف وراءه أزمة مياه حقيقية في مجال صحراوي هش؟.
نعترف بأن الأمر أصبح في غاية الصعوبة ولا يطاق، مادامت بعض الأيادي المحلية متورطة إلى أقصى حد في ما يحصل. لكن المرحلة مواتية لفتح نقاش جدي ومعقول حول هذا التحول الجذري بين من لهم غيرة حقيقية على حاضر الواحات ومستقبلها، والمسؤولية مشتركة بين الفاعل السياسي والنقابي والمجتمع المدني ومراكز البحث و الدراسات المحلية للترافع من أجل مصلحة السكان المهددين في استقرارهم، ولغاية إصدار قانون يمنع مثل هذه الزراعات في المناطق الجافة أو يقننها على أقل تقدي، وتفرض المرحلة كذلك التواصل مع ملاكي العقارات حول السبل الكفيلة بحماية الفرشة المائية مع حقهم التصرف في أملاكهم دون إلحاق ضرر بمن يتقاسمون معهم الاستقرار، و لازلنا ننظر رد فعل السلطة الساهرة على الشأن المحلي لاتخاذ قرارات حاسمة في الموضوع، إذ أنها على ذراية تامة بواقع الحال، طالما أنها تتوصل يوميا بمعطيات و بإحصائيات حول كل ما يتصل بعمليات الشحن بمناطق انتاج “الدلاح”.
لا يمكن لعاقل أن يقف في وجه الاستثمار، لكن العاقل لن يقبل باستثمار يهدد الاستقرار، نرجو أن تحصل للضمير صحوة، لأن أياما عصيبة تنتظر سكان باني و درعة، و ما الصيف عنا ببعيد.
يكتبه: عبد القادر أولعايش
رابط قصير: http://www.tighirtnews.com/?p=43867