بقلم: عبد الله بوشطارت
من الأشياء الحميدة التي ظهرت ضمن هذا الركام الكبير والتدفق الهائل في تناسل الأخبار والصور، ما برز في شوارع مدينة الحسيمة، حيث أفراد السلطة والأمن والإدارة، يشكرون ساكنة المدينة بالتزامهم التام للحجر المنزلي، إلى درجة أن هؤلاء، يعني السلطة والأمن أصبحوا في شبه عطلة، فما أن تبدأ فترة حالة الطوارئ الصحية في كل مساء، حتى تكون الشوارع والأزقة خاوية على عروشها، فلم تعد أجراس سيارات البوليس والقوات المساعدة تصلح لشيء، وكذلك مكبرات الصوت اليدوية التي يحملونها، وفعلوا خيراً وقاموا بشكر الساكنة.
في الجنوب، مدينة تتشابه مع الحسيمة في كل شيء، التاريخ، التضاريس، والذاكرة ثم الألم والحزن، هي مدينة سيدي إفني، هي الأخرى أبانت ساكنتها عن احترام كبير والتزام تام لإجراءات الطوارئ الصحية، التجار والحوانيت والشباب والساكنة، الجميع فهم ضرورية المرحلة، إلى درجة أن رجال السلطة والأمن اندهشوا أمام هذا الوعي والمسؤولية التي تحلت بها الساكنة، وكانوا يعتقدون أنهم سيجدون صعوبات جمة مع المواطنين أثناء حثهم على المكوث في ديارهم.
توجد نماذج كثيرة من المدن احترمت الحجر، كتزنيت وارزازات تنغير تافراوت، أكادير…. وهي في الغالب مدن الهامش والأطراف ذات الثقافة الأمازيغية التي تخضع لمنظومة من القيم المعروفة. لكن إفني والحسيمة، تتقاسمان أشياء كثيرة، أولا هما عواصم لقبائل أمازيغية معروفة تاريخياً، بالشموخ والنبالة والعزة، وهي الريف وأيت باعمران، وكلاهما خضعتا للحماية الإسبانية.
ولكن أهم ما يميز إفني والحسيمة في التاريخ الراهن، هو الانتفاضة من أجل الكرامة، فمدينة إفني عرفت بانبثاق أول انتفاضة اجتماعية ضد الحݣرة في العهد الجديد سنة 2008، وكذلك الحسيمة التي عرفت بحراك الريف سنة 2016، ولا يزال معتقلي هذا الحراك في عدة سجون مغربية.
على المستوى السوسيولوجي، كان يمكن أن نتابع بعض خروقات الحجر الصحي في هذه المدن التي تتوجس ساكنتها من السلطة ورجال الأمن، ولكن العكس هو الذي حصل، قد ظهرت الساكنة بوعي كبير ومسؤولية جديرة تنم عن وجود ضمير جماعي يعكس الأسلوب الحضاري الذي تعاملت به الساكنة مع حالة الطوارئ الصحية.
وهذا يعني أن هذه المدن وإن كانت منابع الاحتجاجات والانتفاضات، فإنها قامت بذلك من دافع حقوقي خالص، ومن أجل كرامة الإنسان وحقه في عيش كريم، وتكافئ في الفرص بين هوامش بعيدة مهمشة ومقصية ومراكز تتمركز فيها الفرص والبنيات والإمكانات، وذلك لا يتنافى إطلاقا مع مفهوم الدولة الحديثة. وهذا يدل على أن الاحتجاج سلوك حضاري راقي، لا يظهر إلا في سياقات المواطنة الحقة. وهكذا نرى أن منسوب الوعي مرتفع جدا في مثل هذه المدن التي عاشت زمن الانتفاضات، والتي قدمت تضحيات غالية في عن الدفاع عن الحقوق والمطالبة بالتنمية، اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا، بمعنى أن في الحسيمة وفي إفني خلال هذه الظرفية العصيبة التي تتطلب اليقظة والحزم واحترام اجراءات حالة الطوارئ، ظهرت “شخصية المدينة المناضلة” التي احتكمت للعقل والالتزام.
وفي مقارنة بين ما تعيشه الحسيمة وإفني ومدن أخرى في الهامش، مع ما تعيشه بعض المدن الكبرى من ضوضاء وصراع مع السلطة والأمن، ومحاولات كثيرة لكسر الحجر في أسواق الأحياء وتجمعات عفوية، وكذلك سلوكات مشينة في الاعتداء على رجال الأمن والسلطة، يظهر أن ساكنة الحسيمة وإفني، تعاملت مع الأوضاع بحس وطني كبير، وعن تقدير كبير للمصير المشترك. فهناك فرق كبير.
صور وفيديوهات رجال السلطة والأمن وهم يشكرون الساكنة في الحسيمة، هي صور معبرة جداً، تنم عن أشياء كثيرة، وكسرت الكثير من الحواجز… لكنها تبقى صور صغيرة وإذا استطاعت أن تكبر شيئا ستفصح عن كل حروفها وستكون أجمل بكثير، ونتمنى فعلا أن تكبر تلك الصور، ويكون لها صدى بليغا…بالإفراج عن جميع المعتقلين.
رابط قصير: http://www.tighirtnews.com/?p=43782