الرئيسية » أغراس أغراس » منبر الأحرار »

المغرب الأمازيغي والتموقع الاستراتيجي

قامت الحركة الأمازيغية بمجهود كبير في تبديد العديد من الأساطير التي تهم بالدرجة الأولى هوية الدولة المغربية وشخصيتها الثقافية. لا نقول أن جميع المشاكل المرتبطة بقضية الهوية وبالقضية الأمازيغية قد تم حلها، ولكن يمكن اعتبار أن الدولة قد فهمت بشكل كبير الخطاب الأمازيغي، ولكن لا زالت مترددة في تملك الشجاعة السياسية في التخلص من الأوهام الإيديولوجية المترسخة في عقل الدولة المغربية ومؤسساتها وأحزابها بشتى الأطياف والأطراف السياسية التي انبثقت من فكر الحركة اللا وطنية التي وضعت المغرب على سكة الوهم والخرافة السياسية المبنية أساسا على العروبة والسلفية والقومية العربية … فألحقت بذلك الدولة والحكومات المتعاقبة على المغرب أضرارا جمة لن يغفرها التاريخ للثقافة والهوية واللغة الأمازيغية، الدولة وأحزابها شوهوا كل شيء في الذات المغربية، زوروا التاريخ وهدموا الحضارة المغربية بالأكاذيب والأساطير

وجاء الخطاب الأمازيغي من روح العلوم الإنسانية ومن فهم حقيقي للتاريخ والانثرولوجيا، ومعزز بالأفكار الحرة والحداثية، لأنصاف هوية المغرب والمغاربة. ولا تزال الحركة الأمازيغية سواء في المغرب والجزائر وليبيا وتونس والصحراء الكبرى، تتمسك بالأمل والصبر، وتشتغل بكل جهد وعناء كبير في توعية المجتمع والدولة بضرورة المصالحة مع الذات الثقافية، والتخلص من التبعية للمشرق ومشاكله وأزماته التي لن تنتهي.

إن عدم حضور ملك المغرب في قمة العرب الهشة، المنظمة في تونس حاليا، والاكتفاء بتمثيلية وزير العدل، يعد مبادرة من أجل قطع العلاقة نهائيا مع هذه الجامعة التي لا يجتمع فيها أحد إلا ليضرب في الطرف الآخر، وقد شكل مطلب انسحاب المغرب من الجامعة العربية مطلباً جوهرياً في مطالب الحركة الأمازيغية. وقد نبهت هذه الأخيرة عن تداعيات تورط المغرب في الحرب على اليمن، والتي اكتشف المغرب في وقت متأخر خطورة هذا التورط وأعلن انسحابه منها.

كما أن انشغال المغرب بصراعات دول الخليج لن يفيده في شيء، فبقدر ما يسعى المغرب الحفاظ على توازن علاقاته الديبلوماسية وعن استقلالية قراره الخارجي بقدر ما تفهم بعض الدول وخاصة السعودية أن المغرب يحاول أن ينفلت من رقاب التبعية، حيث تعتقد هذه الدول أن المغرب مجرد دولة تابعة. وهذا ما جناه المغرب حين فرط كثيراً في أهم مميزات شخصيته الثقافية وعن هويته كدولة ومجتمع، وهي مقومات وخصوصيات تختلف بشكل كبير عن باقي دول العرب. وأهم دليل على ما نقول هو تصرف السعودية بشكل غير مسؤول حين بثت قناة العربية برنامجا يضرب في الوحدة الترابية للمغرب، ودافعت المملكة العربية السعودية على الجمهورية العربية الصحراوية….

حين عاد المغرب إلى محيطه وعمقه الإفريقي حسب الرواية المخزنية، قلنا لا يجب أن تكون تلك العودة على المستوى السياسي والاقتصادي فقط، وإنما عودة حقيقة مبنية على أسس ثقافية وحضارية، فالمغرب الإفريقي ليس هو اكتشاف جديد أو اختراع وإنما هي تحصيل حاصل، هي حتمية جغرافية وتاريخية وحضارية، وضيع المغرب الكثير من الوقت والجهد في التبعية للمشرق وتورط كثيرا في متاهات العرب وصراعاتهم المذهبية والدينية والسياسية، وفرط كثيرا في انتمائه إلى أفريقيا …. هو الآن عاد إليها ولكنها عودة غير مكتملة، ما دام أن المغرب يعتبر نفسه دولة عربية … وتنظيم اجتماع الجامعة العربية في تونس التي هي بلد أمازيغي إفريقي، فيه استفزاز كبير للأمازيغ ولإفريقيا ولمبدأ التعددية والاختلاف، وما حرص هذه الجامعة لإبقاء رئاسة الجامعة في مصر لعدة عقود لدليل واضح عن نزوعات العرب في اختراق شمال إفريقيا التي هي ليست منطقة عربية، بالرغم من وجود اللغة العربية بها.

إن المغرب وهو يستعد الآن أن يتموقع استراتيجياً جنوب المتوسط وفي شمال إفريقيا، خاصة بعد استقبال بابا الفاتيكان، كما يسير في اتجاه أن يحصن موقعه بين تركيا ونزوعاتها وبين السعودية وهواجسها المهيمنة، فلابد له أن يعلن عن أمازيغيته بكل شجاعة وقوة وثقة، فلم يعد المجال يسمح بتهميش الأمازيغية وخنقها في زاوية ضيقة جدا داخل البعد المحلي، وإنما الأمازيغية الآن أصبحت قضية استراتيجية مهمة في كل بلدان شمال إفريقيا والساحل والصحراء، وخاصة في ليبيا والجزائر ومالي والنيجير، وهذا ما جعل تقرير وزارة الخارجية الأمريكية لسنة 2018، يعطي الأهمية البالغة للقضية الأمازيغية، ويؤكد التقرير على أن القضية الأمازيغية عليها رهانات سياسية كثيرة، أكثر بكثير من قضية الصحراء. فاعتناء المغرب بالأمازيغية وإبرازها في محيط علاقاته الديبلوماسية والاستراتيجية، تعطيه القوة والفرادة والخصوصية، فهي عنصر القوة وليست عنصر الضعف. وهذا ما يجب أن يفهمه الجميع.

إن المغرب عبر تاريخه الطويل، كان ولا يزال، قوياً وهو الذي كان يحكم مجموع شمال إفريقيا والاندلس عصر الامبراطوريات الأمازيغية الكبرى، وبصم على حضارة متنوعة ومزدهرة صمدت لقرون، حقق كل ذلك بأمازيغيته، بشخصيته الثقافية المتعددة … فالمغرب لن يكون قوياً وصامداً ضد كل الضربات إلا بالإعلان عن أمازيغيته بكل شجاعة ….

حين بعث الملك الإنكليزي “جون لاكلاند 1166- 1216” مبعوثا إلى السلطان الموحدي الأمازيغي، طالبا منه أن يمده بالقوة العسكرية والحماية مقابل ضم المملكة الإنكليزية إلى الإمبراطورية الموحدية، فرفض السلطان الموحدي ذلك، قائلا : “الناس يطلبون الحرية وأنتم جئتم تطلبون الاستعباد” .

بكتبه: عبد الله بوشطارت – صحفي

مشاركة الخبر مع أصدقائك

أكتب تعليقك