الرئيسية » أغراس أغراس » منبر الأحرار »

إسماعيل أكنكو يكتب: الأقاليم الجنوبية والنموذج التنموي الجديد

12695549_555634541268736_1157714370_o

ظلت قضية الصحراء المغربية مسألة محورية في مجمل انشغالات الدولة المغربية، حكومة وملكا وشعبا، ومنذ عقود خلت، بحيث لا يمر حدث من الأحداث الداخلية والخارجية، إلا وتذكر فيها مسألة الصحراء فبالقدر الذي تعتبر نقطة قوة للمغرب على اعتبار مواردها الطبيعية، والاقتصادية والثقافية المهمة (الفوسفاط، الأسماك، البيئة الحسانية) بالقدر الذي تعتبر مصدر ازعاج كذلك، بحيث يستغل خصوم المغرب أي حدث بسيط للتأثير على المجتمع الدولي لاستمالته للأطروحات الانفصالية، لاسيما منها ما يتعلق بوضعية حقوق الانسان وغيرها من الفزاعات التي تكون مدعاة للمزايدات السياسوية.

في هذه القضية الحساسة، وبالنظر إلى الأشواط المهمة التي قطعها بلادنا على كل المستويات على علاتها، فإن المغرب ما فتئ يعطي ويقدم حلولا لطي النزاع المفتعل منذ سنة 1976 وتمكين سكان الصحراء من الاضطلاع بدورهم الكامل في تسيير شؤونهم بكل ديمقراطية وشفافية عبر الية الحكم الذاتي تحت السيادة الوطنية، والتي اقترحها المغرب سنة 2007، هذه المبادرة التي لقيت ترحيبا دوليا واسعا كما لقيت أيضا رفضا من قبل الأطراف التي ظلت على حالة الجمود منذ عقود من الزمن، هذا التشبث بالأوهام كما سماها كثير من المحللين السياسيين والخبراء في القضية جعل المغرب ينخرط بقوة في إطلاق أوراش كبرى في الصحراء، وهي التي نشاهدها اليوم من بناء وتشييد لمختلف المرافق الاقتصادية والاجتماعية والبنى التحتية من موانئ وطرقات، منها ما هو منجز ومنها ما هو مبرمج، كل هذه الاوراش لم تأتي من فراغ ولم تأتي ترضية لخواطر معينة بقدر ما هي نتيجة لدراسة معمقة تجلت أساسا في إطلاق المبادرة الوطنية منذ سنة 2005، وتلاها تشكيل اللجنة الملكية للجهوية، وهو ما افضى إلى التقسيم الجهوي الجديد والذي ارتقى بالجهة إلى مستوى الجماعة الترابية القائمة الذات والتي تتبوأ الصدارة في التنظيم الترابي للمملكة.

ولقد فطنت الرؤيا الملكية الثاقبة إلى مستوى النقص الذي قد يحدثه إطلاق الجهوية المتقدمة كآلية للتدبير، خصوصا في الأقاليم الجنوبية للمملكة، دون إرفاقها بميكانيزمات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فبادر إلى اطلاق النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية سنة 2013، كمدخل أساسي لتحقيق الرفاه الاقتصادي والاجتماعي لساكنة الصحراء، وهو رد ضمني على خصوم المغرب على أنه لا يستغل الصحراء أو مواردها، بالقدر الذي يستثمر في الصحراء لصالح أبنائها. إنه نموذج تنموي يرتكز على أساس تشخيص حقيقي للإكراهات الاقتصادية بالمنطقة ويروم رسم خارطة طريق لتنمية حقيقية بهذه الأقاليم للرقي بها نحو الأفضل، ويسعى النموذج التنموي إلى إحداث ثورة اقتصادية واجتماعية حقيقة تساهم في انتشال الشباب من البطالة، والفقر والتهميش، وتساهم أيضا في فك العزلة والهشاشة عبر بناء الطرق، والمدارس والربط الكهربائي، والماء الصالح للشرب، وتوفير مختلف متطلبات العيش الكريم لساكنة هذه الربوع.

إن النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية، يسعى لتحقيق إقلاع تنموي، ولا يمكن أن يتحقق هذا الاقلاع دون القطع مع ثقافة الريع المستشرية في هذه الربوع، ثقافة الاتكالية، ثقافة البقاء للأقوى، ثقافة الترضيات، ثقافة انتجتها المحاباة المفرطة لأطراف لم تقدم إجابات عملية وموضوعية وحلول لقضية الصحراء المغربية، بالقدر الذي أزمت هذا الملف بفعل حساباتها السياسوية الضيقة، وجعل الوطنية شعارا للتسول والربح والاغتناء السريع وابتزاز الدولة. هذه الثقافة اليوم يجب أن تنجلي، لتحل محلها ثقافة الاستحقاق والكفاءة والمصداقية والعمل المتواصل خدمة لقضايا الوطن الذي يحتاج لجميع ابناءه، وطن غني بتعدد روافده الثقافية ومكوناته الهوياتية والذي يستحق أن يكون أجمل مما عليه اليوم. هذا إذا كنا نريد فعلا أن ننجح أي نموذج لأي تنمية ……

بقلم: إسماعيل أكنكو / طالب باحث

مشاركة الخبر مع أصدقائك

أكتب تعليقك