الرئيسية » ملفات » ربورتاجات »

بطء وتيرة إصلاح ما أفسده الفيضان يفاقم معاناة ساكنة “سيدي إفني”

رغم الترميمات التي أجريت عقب الفيضانات الأخيرة التي ضربت المغرب، فإن ساكنة “سيدي إفني” والجماعات المجاورة لا زالوا يعبرون عن قساوة العيش، لا سيما بسبب الانقطاعات المتكررة للماء والكهرباء وتوقف الطريق الرئيسية نحو (كلميم باب الصحراء). وتبدو أشغال إصلاح ما أفسده الفيضان بطيئة وغير كافية؛ فأكوام الحجارة والأتربة التي أفرغت في بعض الوديان لتشكل قنطرة لعبور السيارات وفك العزلة عن المنطقة، يمكن أن تجرفها السيول في أي لحظة تلي هطول الأمطار. فترة ما بعد الفيضان شكلت امتحانا حقيقيا للسكان والتجار وسائقي سيارات الأجرة والمجتمع المدني والسلطات العمومية.

الجشع والانتهازية

وكشفت تصرفات البعض عن اللامبالاة أو عن الجشع والانتهازية، وكثيرون عبروا عن روح التضامن والتعاون؛ كل بطريقته وكل من موقعه. تقييم لا يغيب تداوله عن جلسات المقاهي، والغيورون على المدينة لا يتوقفون عن البحث عن سبل الخروج من الوضع المتأزم ولو عبر صفحاتهم بالمواقع الاجتماعية.

التنمية إلى الوراء1427891652_big

“سيدي إفني”، عتبة باب الصحراء كما يروق للبعض نعتها، موطن قبائل “آيت بعمران”، حيث يلتقي البحر بالجبال؛ مدينة كانت خاضعة للاستعمار الإسباني، وعادت إلى حظيرة الوطن منذ 1969، لكن مسلسل تنميتها يتعطل باستمرار. قوة الفيضان الأخير التي ضرب المنطقة عرَّت هشاشة البنية التحتية، من طرق وقناطر وقنوات الماء الصالح للشرب وقنوات الصرف الصحي…؛ فيضان لم يشهده الإقليم من قبل أصرَّ على إعادة التنمية إلى الوراء، يقول بعضٌ ممن كان شاهدا على فيضان1984.

الاستثمار

“ناصر”، إفناوي أربعيني متواضع، من الجالية المغربية التي كانت مقيمة بـ”بلجيكا”، تكوينه في مجال المثلجات الغذائية، والسنوات التي قضاها في الخارج شجعته على الاستثمار في مسقط رأسه، خصوصا وأن المنطقة تعرف توافدا مُهمّا للسياح الأجانب. لهذا الغرض استأجر محلا بحي “البرنضية” يطل على المحيط الأطلسي، بدأ فيه ببيع المثلجات التي يشرف على صناعتها بمعمله الصغير بمدينة “تيزنيت” منذ أكثر من ثلاث سنوات قبل أن يقتحم مجال الوجبات الساخنة.

سألناه، لماذا “تيزنيت” وليس “إفني”؟، بسبب مشكل الكهرباء. لقد طفح الكيل…”، يرد “ناصر” بحرقة وتحسر على الحال الذي آلت إليه المدينة لا سيما بعد فيضان22  نونبر 2014؛ فانقطاع الماء والكهرباء بين الفينة والأخرى، ودون سابق إنذار إلى حد الآن، يجعله يتوقف عن تقديم خدماته لزبائنه، وفي كل مرة يضطر للاعتذار لمريدي وجباته.

ثلاجة وتلفاز وآلتا صابون على حافة الطريق..!

حجم الدمار الذي لحق بالمنطقة لا زال باديا للعيان. من يزور المدينة سيكتشف أن الوادي لم يَتُهْ عن مصبه ولم يرحم منْ وما اعترض سبيله، الملعب البلدي، حديقة الحيوانات (سابقا)، والمنازل المجاورة ومتعلقاتها، مرافق التخييم الساحلي…، حتى مبنى الدائرة الإقليمية التابع لوزارة الداخلية لم يسلم…؛ أما أحجار الأسوار والحيطان المتهشمة وأكوام الطمي الضخمة وجذوع الأشجار المقتلعة…، فتراها مبعثرة هنا وهناك…

بركة ماء كأنها بحيرة

القادم من حي “لالة مريم” (كولومينا) وهو يقترب من نهاية المنحدر تتراءى له عن يمينه بركة ماء كأنها بحيرة بينها وبين البحر برزخ من الحجارة والحطب اللذين تراكما بشكل فظيع على الشاطئ. البحيرة هي مجرد مستنقع لمطارح قنوات الصرف الصحي التي تضررت؛ رائحتها تزكم الأنوف ومساحتها تتمدّد ولا يمكن أن تكون إلا مرتعا للحشرات والأوبئة، لعلها تستعد لابتلاع مساحة الأراضي التي ظل يستغلها بعض المزارعين الصغار والتي لم يعد لها وجود؛ كارثة بيئية تلوح في الأفق؛ وضْعٌ جعل البعض يتساءل عن مدى قانونية استخلاص فاتورة تطهير السائل رغم تعطله منذ أزيد من شهرين، ودفع البعض الآخر ليسائل السياسات العمومية بالمنطقة، في حين انتقد آخرون لامبالاة بعض السكان.

 منازلٌ مهدّمة

مع نهاية المنحدر تظهر الطريق الرئيسية إلى وسط المدينة، لكنها مقطوعة، وعلى اليسار طريق ضيقة مهترئة خلف ما تبقى من جدار الملعب البلدي، ومنها يمكن قطع الوادي عبر القنطرة التي ظلت صامدة من أيام الاستعمار، وتم ملء جوانبها بعد الفيضان بالاستعانة بمعدات الشركات التي تعمل في ميناء؛ ميناء يبدو مستعصيا على إتمام أشغال توسعته. على بعد بضعة أمتار من “حديقة الحيوان” ستجد على يسارك الطريق المؤدية إلى “كلميم”، وهي مقطوعة أيضا، وعلى جانبيها بعض الأُسَر المشردة تحت خيم صغيرة، منازلٌ مهدّمة أو غمرها الطّمْيُ، أثاثها سيق إلى البحر بلا عودة، ثلاجة وتلفاز وآلتا صابون على حافة الطريق…؛ الكل ينتظر الفرج.

300 درهم للرحلة

اليوم، من يريد السفر بين “سيدي إفني” و”كلميم” (باب الصحراء) عليه أن يستعد للمشقة والتعب بسبب الاهتزاز والالتفاف طول طريق ثانوية ضيقة محاذية لطريق الميناء وتمر عبر جماعة “سبويا” في وقت قد يصل إلى ساعتين لقطع مسافة 80 كلم تقريبا، بعد أن كان السفر عبر الطريق الرئيسية لا يتعدى 45 دقيقة. مسلك مليء بالمنعرجات والحفر وتغيب فيه علامات التشوير، ويصعب على غير الساكن بالمنطقة أن يسلكه دون أن يتوه. وثمن الرحلة عبر سيارة الأجرة تضاعف بعد الفيضان 300 درهم للرحلة (كورصا) بدل 150 درهم فقط.

ترميم البنية التحتية أم ترميم العقول..؟

طموح “ناصر” ونظرته إلى مستقبل المدينة تجعلانه لا يستسلم، ويحاول جاهدا تشخيص واقع المدينة ومعيقات مسارها التنموي، أملا في إيجاد مخرج يعيد لها أمجادها وينقلها إلى مصاف المدن الكبرى. مبلغ 20 مليار درهم المخصص للبرنامج الاستعجالي غير كاف في نظره لمعالجة الأضرار التي لحقت بالمنطقة، لذا فهو ينتظر –كغيره- تفعيل البرنامج على أرض الواقع، ويرى أن الفاعلين المحليين لم يبذلوا جهدا لتقييم الخسائر الحقيقية ولم يستعينوا بالخبراء.

مفتاح الفرج

ومع ذلك يؤكد “ناصر” أن حل مشكل التنمية في “سيدي إفني” يكمن في استغلال المنطقة التي تمتد بين المطار القديم والميناء وتنتهي بمدخل طريق “طانطان”، وفي ذلك يقول: “هذه المنطقة بقيت مستعصية على عقولنا منذ الاستقلال، لا نعلم عنها الشيء الكثير…؛ هي مفتاح الفرج بالنسبة للساكنة والمدينة، العقار، السكن، الميناء وطريق طانطان أولويات التنمية بالمنطقة”.

معدات جبارة

وإذا كان ترميم الأضرار وإعادة بناء الطرق والقناطر التي خربت وشق طرق أخرى يحتاج إلى قدرات مالية وفنية غير متواضعة وفريق عمل متخصص، كما يحتاج إلى وقت ليس بقليل، فإن “ناصر” يستعير بعض العبارات من الجملة الأخيرة ليقول متبسما: “إن ترميم الأضرار الهائلة التي لحقت بالعقل الإفناوي يتطلب بناء طرق وجسور عملاقة وكذلك معدات جبارة”…..

نعم! ترى كم من الوقت يكفي لتغيير العقليات؟، أليس جيلا بأكمله!؟، وهل “الحملة” التي أطلقها “ناصر” على “الفايسبوك” يمكن أن تؤتي أكلها؟.

“تِغِيرْتْ نْيُوزْ” عن “العبور الإلكترونية” بتصرف / سيدي إفني

مشاركة الخبر مع أصدقائك

تعليق واحد

  1. lmahfoud agourar: 2015/04/01 1

    قالوا، المغرب محتاج الى القطار الفاىءق السرعة مثل الذي هو موجود في اليابان ….
    واش قدرتوا تقادو غير الطرقات و القناطر ما بقى ليكم غير TGV،
    قال ليك الله ما كثر حُسادُنا …. على ماذا؟ على هاد الفضائح ؟ شوية ديال الفيضانات دمرت التي يسمونها طرقا و قناطر … هده هي البنية التحتية التي تتكلمون عنها ؟ هذا هو المغرب الصاعد الذي تتكلمون عنه؟
    أين هي الحكومة ؟ لماذا لم تنظم اجتماع طارىء لإغاثة المنكوبين و تسريع إنقاذ ما يمكن انقاذه؟ أين هي الجيوش؟ الطائرات هيليكوبتر التى تكلف الدولة أموال كبيرة لشراءىها ؟ أليس المواطن أولى واستعمالها لانقاذه؟ أين الوقاية المدنية؟
    هل يعقل قنطرة طولها اقل من ٧ أمتار وعلوها اقل من متر تكلف الدولة ١٩ مليون درهم و تسقط بعد بضعة أشهر من بناءها ؟
    هل يعقل ان ترمى جثث من جرفتهم المياه في سيارة تستعمل لجمع الأزبال؟؟؟؟والله الى حرام
    ا هده هي كرامة المغربي عندكم ؟
    طز في الحكومة
    طز في المسؤولين
    طز في اصحاب القرار
    طز في نفاقكم وكذبكم على المستضعفين من خلال خطاباتكم البءيسة
    والله ثم والله لن تتحسن اوضاع البلاد ما دام المفسدون طلاقاء ولم يعاقبوا .

أكتب تعليقك